الرئيسيةأخبار المجتمعبطولة من قلب النار.. ضابط يُعيد مجد والده الشهيد في حريق سنترال رمسيس وينقذ العشرات

بطولة من قلب النار.. ضابط يُعيد مجد والده الشهيد في حريق سنترال رمسيس وينقذ العشرات

بطولة من قلب النار.. ضابط يُعيد مجد والده الشهيد في حريق سنترال رمسيس وينقذ العشرات

اندلع مساء الإثنين السابع من يوليو 2025 حريق سنترال رمسيس، أحد أهم مراكز الاتصالات الحيوية في العاصمة المصرية القاهرة. التهمت ألسنة اللهب أجزاءً كبيرة من المبنى، وأدت إلى إصابات بشرية واضطراب واسع النطاق في خدمات الإنترنت والاتصالات. ولكن وسط الكارثة، سطع نجم الملازم أول نور امتياز كامل، ضابط الحماية المدنية، الذي قطع إجازته وبادر بالتحرك نحو موقع الحريق، ليخوض مواجهة نارية، أعادت للأذهان بطولات والده الشهيد في معركة الواحات.

تجسد هذه القصة الوطنية بامتياز نموذجًا نادرًا من التضحيات، ليس فقط عبر البطولة الفردية، بل من خلال إرث إنساني ومهني ينتقل من جيل إلى جيل. نستعرض في هذا التقرير التحليلي كافة جوانب الحادث، بدءًا من الأسباب الفنية، مرورًا بالدور البطولي لرجال الحماية المدنية، وانتهاءً بالدروس المستفادة.

 خلفيات وتداعيات حريق سنترال رمسيس

اندلع حريق سنترال رمسيس في الطابق السابع من المبنى، بسبب ماس كهربائي في إحدى الغرف التي تحتوي على معدات توزيع الشبكات. تصاعدت ألسنة اللهب إلى الطوابق العليا، وتسببت في انفجارات جزئية، ما أدى إلى توقف كامل لخدمات الإنترنت في مناطق واسعة من القاهرة.

بلغت نسبة الانقطاع في خدمات الإنترنت حوالي 62%، ما أثر على شركات الاتصالات وخدمات الدفع الإلكتروني، وتسبب في تعطيل بعض التعاملات البنكية وخدمات حكومية تعتمد على الشبكة.

على المستوى الإنساني، أسفر الحادث عن وفاة أربعة موظفين اختناقًا، وإصابة أكثر من 25 آخرين، بينهم سبعة من رجال الحماية المدنية. انتقلت سيارات الإسعاف على الفور إلى الموقع، وتم نقل المصابين إلى مستشفيات قريبة مثل الدمرداش وصيدناوي.

سرعة انتشار النيران كانت التحدي الأكبر، ما تطلّب جهداً مشتركاً من عدة وحدات إطفاء استمرت عملياتها لأكثر من 20 ساعة. كما تم قطع الكهرباء عن المنطقة المحيطة احترازيًا، وتأمين المباني المجاورة لمنع امتداد الحريق.

اقرأ ايضا: هل يُحدث قانون الرياضة الجديد ثورة في الملاعب المصرية؟

 تدخل فوري لضابط الحماية المدنية في إنقاذ الأرواح

في خضم الأزمة، كان للملازم أول نور امتياز كامل دور بارز في إنقاذ العشرات من الأرواح. فور سماعه بوقوع الحريق، بادر الضابط الشاب بقطع إجازته الشخصية، وتوجه إلى موقع حريق سنترال رمسيس دون أي تعليمات رسمية.

حمل أسطوانة أكسجين ودخل المبنى المحترق دون استخدام السلم، متسلقًا النوافذ للوصول إلى الموظفين المحاصرين داخل المكاتب. لم تمنعه ألسنة النار ولا الدخان الكثيف من مواصلة مهمته في إنقاذ العالقين.

وثقت وسائل الإعلام ظهوره في مشهد إنساني مؤثر، وهو يجلس بجانب إحدى سيارات الحماية المدنية لأخذ استراحة قصيرة بعد ساعات من الكفاح. وأُطلق على هذه الصورة عنوان “استراحة المحارب”، وانتشرت بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

دوره لم يكن فرديًا فحسب، بل كان جزءًا من تنسيق أكبر بين وحدات الإطفاء، حيث أدار عملية إنقاذ دقيقة شارك فيها عشرات رجال الحماية المدنية، وأسهمت في تقليص عدد الضحايا بشكل كبير.

 الإرث البطولي لعائلة امتياز كامل

ما يميّز الملازم أول نور ليس فقط شجاعته، بل نسبه لرمز وطني هو اللواء الشهيد امتياز كامل، أحد أبطال وزارة الداخلية الذين استشهدوا خلال مأمورية الواحات عام 2017.

استُشهد والده خلال مواجهة إرهابية معقدة في صحراء الواحات، في عملية راح ضحيتها 16 شهيدًا من قوات الشرطة. ومنذ تلك اللحظة، حمل الابن على عاتقه مهمة استكمال مسيرة والده في التفاني من أجل الوطن.

التحق نور بكلية الشرطة، وتدرّب على أعلى مستويات التأهيل الفني والبدني، وتم تعيينه ضمن فرق الحماية المدنية بالقاهرة. وتميز بسرعة الاستجابة، وشارك سابقًا في عمليات كبرى، منها حريق مدينة الإنتاج الإعلامي، وحوادث متكررة بمناطق صناعية.

ظهوره في حريق سنترال رمسيس لم يكن إلا تتويجًا لمسار منضبط من التدريب والمواقف البطولية. وهو يمثل نموذجًا للشباب المصري الذي يجمع بين الإرث والقيم والاحترافية، ويعكس صورة إيجابية لرجل الأمن في وقت الأزمات.

 الأثر المجتمعي لحريق سنترال رمسيس

خلّف حريق سنترال رمسيس تأثيرًا واسعًا في الشارع المصري. فعلى الجانب التقني، تعطلت خدمات الإنترنت والهاتف الثابت، وتوقفت مراكز بيانات مهمة لعدة ساعات، ما أثّر على المعاملات البنكية والدفع الإلكتروني.

كما شهدت السوشيال ميديا تفاعلًا ضخمًا مع صور الحريق، خاصة تلك التي أظهرت رجال الحماية المدنية، وعلى رأسهم الملازم نور، أثناء تدخلهم البطولي. تداول المستخدمون هاشتاجات مثل “بطل سنترال رمسيس” و”اللي خلف ما ماتش”، في إشادة جماهيرية غير مسبوقة.

أُشيد كذلك بأداء وزارة الداخلية التي سارعت بتعزيز قواتها إلى الموقع، وتوفير وحدات طوارئ، ودعم فني كامل من وزارة الاتصالات لتأمين الشبكات وتعويض الأعطال.

وقد عبّر المواطنون عن دعمهم لرجال الحماية المدنية الذين قدّموا نموذجًا راقيًا للتضحية والعمل الميداني. وطالب الكثيرون بتكريم الضابط نور امتياز رسميًا ضمن احتفالات الدولة بعيد الشرطة القادم.

التحقيقات الأولية وخطط التأمين المستقبلية

فور السيطرة على الحريق، باشرت النيابة العامة التحقيق، بمشاركة خبراء من الحماية المدنية، والهيئة العامة للرقابة الصناعية، وشركة “المصرية للاتصالات” المالكة للمبنى.

أظهرت التقارير الأولية أن سبب حريق سنترال رمسيس يرجع إلى ماس كهربائي حدث نتيجة عدم صيانة دورية لإحدى غرف المعدات، ما أدى لاشتعال شرارة امتدت سريعًا إلى أجهزة إلكترونية قابلة للاشتعال.

وقد بدأت شركة الاتصالات في تنفيذ خطة تأمين جديدة تشمل:

  • تحديث أنظمة الإطفاء الأوتوماتيكي.
  • تركيب كاشفات دخان وحرارة متطورة.
  • فصل غرف الطاقة عن غرف الأجهزة الحساسة.
  • زيادة فترات المراجعة الفنية الدورية.

كما تم التوصية بإعادة توزيع الأحمال على مراكز بديلة لتفادي حدوث انقطاعات مستقبلية، وتحسين شبكات الربط البديلة بين الفروع والمراكز الرئيسية.

الدروس المستفادة من الحادث وضرورة بناء الوعي المؤسسي

كشف حريق سنترال رمسيس عدة جوانب تستحق الاهتمام في المستقبل القريب، أولها أهمية جاهزية مؤسسات الدولة في مواجهة الأزمات. فقد أثبتت الحماية المدنية كفاءة عالية في سرعة الانتشار والإنقاذ، ولكن الحاجة ما تزال قائمة لتعزيز البنية التحتية للوقاية من الحرائق.

كما بيّن الحادث ضرورة نشر ثقافة الوعي الوقائي داخل المؤسسات الحكومية والخاصة، ودمج تدريبات دورية للعاملين على التصرف السريع في حال نشوب حريق أو أزمة.

ويبرز هنا دور الإعلام في تسليط الضوء على قصص البطولة الواقعية، وتقديم النماذج الإيجابية مثل الملازم أول نور، الذي جسّد بروحه وتفانيه القيم الوطنية بأفضل صورها.

في النهاية

أعاد حادث حريق سنترال رمسيس إلى الواجهة تساؤلات حول الجاهزية والسلامة، ولكنه في الوقت ذاته سلّط الضوء على الجانب المشرق في المشهد الوطني. ضابط شاب، امتلك الجرأة والعزم، اختار أن لا يترك النيران تلتهم أرواح الأبرياء، بل قفز نحو الخطر وأحيا إرثًا لم يخمد.

هذه البطولة ليست لحظة استثنائية، بل نتيجة تربية وطنية، وتدريب منضبط، وعقلية أمنية واعية. إن الملازم أول نور امتياز كامل لم يطفئ حريقًا فقط، بل أشعل داخل المصريين شعورًا بالفخر والانتماء، بأن الوطن ما زال بخير، ما دام فيه من يقدّم روحه وراحته من أجل حياة الآخرين.

اقرأ ايضاً: قانون الإيجار الجديد يُطلق منصة الإسكان البديل.. هل تبدأ مرحلة الفرز؟

error: Content is protected !!