أحمد مراد شاب مثقف كانت الفرصة سانحة أمامه لكتابة روايات على قدر من النضج يليق بمرحلة بدأت فيها الرواية تصبح اللون الأدبي الأكثر مبيعًا.
لكن مع ظهور ثقافة البيست سيلر، وكاتب العام، وكاتب الجيل.. والجنوح الشرس نحو التفرد، بدأت المعادلة تتغير.
أصبح الأدب سلعة استهلاكية تحترق من أجلها الحكايات الصبيانية بلغة ركيكة.. أصبحت السطحية منهجًا عامًا.
تبدل السوق مع نهايات العقد الأول من الألفية..
اندثرت مكتبة مصر بالطبع، ثم ذهبت مكتبة مدبولي وتبدد ارث محمد مدبولي الثقافي.
كل من كانوا قائمين على صناعة الكلمة، والقيمة الأدبية، والبلاغة في يوم من الأيام أنتهي زمنهم،
وأكل السوق الجديد من بقي منهم.
وبدأ عصر المكتبات الجديدة التي تتبع في تسويق الكتب أساليب تسويق الشامبو..
مكتبات مثل ألف وديوان كان لزامًا عليها أن تجد كتاب مثل مراد لتكتمل الصورة،
وتتجلى فكرة الكتاب السلعة في أقذر صورها.
المحتويات
أحمد مراد هو الأكثر مبيعًا في المكتبات
فكرة الشخص الأكثر مبيعًا صنعت فخًا وقع فيه الكثير من الأدباء الشباب.. فالمثابرة والعمل الدؤوب وكتابات النفس الطويل لم تعد هي السائدة.
أصبح هناك هوس البيع، وبات اعتناء الأديب بالتفاصيل وتعمقه في روح الشخصية وتعايشه مع سقطاتها النفسية كلها أشياء من الماضي.
اللغة العصرية الحديثة أصبحت تعني بالحكاية المدهشة الغريبة، والحوارات الرومانسية الخالية من أي رومانسية،
وهي أقرب لمشاهد الأفلام الهندية.
مراد عرف كل هذا وتأقلم عليه من البداية، فحقق المبيعات وأصبح في مكانة البيست سيلر التي يتمناها الكثيرون.
إذا نظرنا لحكايات مراد المشوقة سنجد أن الأنثى (لبنى في الفيل الأزرق / سارة في تراب الماس)
هي حبيبة البطل التي يسعى إليها في معركة جانبية غير معركته الأصلية،
فلا ينتصر بها، ولا ينتصر عليها.. وهي في الحالتين ــ حالة لبنى أو سارة ــ زائدة على الحدث،
وجدت لتضفى عليه لمحة رومانسية لا أكثر.
إذن هي الخلطة السحرية.. الطريق السهل للنجاح في وسط تفريغ الأدب من أي مضمون ليستقبله المراهقون بالاحتفاء، ويصنع المجتمع أدباء مزيفون، ويجعل من أقزامه قامات تُبجل وتُحترم!
المصيبة أن مراد ــ حسب كثير ممن عرفوه وأثق في رأيهم ــ ليس سطحيًا ولا تافهًا مثل آخرين تربعوا على عرش البيست سيلر بعض الوقت وأظهرت كتاباتهم تفاهتهم وفراغ عقولهم.
مراد شخص مثقف، وقد يستطيع أن يكتب رواية محترمة.. لكن ويل للعالم إذا انحرف المتعلمون وتبهيظ المثقفون كما قال الأستاذ أحمد زكي في فيلم البيضة والحجر..
والرزق يحب الخفية كما يبدو، فالمخاطرة بتغيير الجلد إن كانت تؤتي ثمارها لكان أحق بها عمرو دياب، وهو يضرب على التيمة الموسيقية نفسها لأكثر من ربع قرن.
الثغرات الدرامية عند مراد
التيمة التي كررها مراد في عدة روايات تحول بعضها لأفلام سينمائية وأعمال تليفزيونية لا تخلو من سقطات في غاية الغرابة،
وأقول في غاية الغرابة لأنه كان من الممكن تلافيها ومعالجتها ببساطة.
فلنضرب مثالًا تفصيليًا بتراب الماس.
الأخطاء في رواية تراب الماس حافظ عليها أحمد مراد في الفيلم، وكأن هذا الأديب لا ينضج أبدًا، أو كأن لا أحد ينبهه لسقطاته، أو قد يكون هناك من نبهه لها ولكنه وصل لدرجة من العند والغرور تمنعه من الاعتراف بها.
- أولًا: الأزمة التي فجرت كل الأحداث، أم المصائب كلها..
هي اللحظة التي تلصص فيها حسين الزهار على المقدم وليد سلطان وهو يوزع مخدرات على كشك سجائر بجوار بيته..هل لاحظت حجم حماقة التصرف؟!
وليد سلطان رجل شرطة كبير رتبته مقدم يوزع بنفسه المخدرات التي يتاجر فيها على التجار الصغار الذين يملكون أكشاك سجائر، في حي راقي وأمام فيلا أقدم نائب مجلس شعب في مصر.
بالصدفة يراه حسين الزهار،
وبالصدفة أيضًا يشعل طه الزهار نور غرفة والده في نفسه اللحظة.. ليلفت نظر المقدم للشرفة والواقف بها.
الصدفة الدرامية جريمة في بعض الأوقات.. لكن لي عنق الصدفة حماقة في كل الأوقات.
- ثانيًا: ما الذي جعل حسين الزهار يحتفظ بنسختين من المذكرات إذا كانت النسخة الأولى مؤمنة أصلًا؟!
إلا إذا كان مراد يريد أن يؤخر بعض المعلومات حتى تأتي اللحظة الدرامية المناسبة!
لو كان وجد النسخة الأولى من المذكرات ببساطة لكنا قولنا أن تخبئة النسخة الثانية بما تحمله من معلومات هامة وخطيرة أمر هام وضروري، لكنه بذل مجهود كبير جدًا حتى يجد النسخة الأولى!
هذه واحدة من أرخص وأتفه سبل التشويق التي رأيتها في عمل سينمائي يوما ما.
- ثالثًا: سنة 2018 يا مؤمن هاني برجاس محتفظ بصورة عليها تاريخ مهم جداً في الأحداث..
هاني محتفظ بهذه الصورة داخل برواز في غرفة النوم التي يمارس فيها ميوله الشاذة ــ أو ميوله المثلية عشان في ناس بتتقمص ــ ثم يترك طه مع الصورة ويدخل الحمام، ونعم المصادفة..!
واضح أن أحمد مراد يحب المصادفات الدرامية أكثر من حبي أنا شخصيًا لمونيكا بلوتشي وبينيلوب كروز مجتمعتين!