في خطوة تعبّر عن بُعد روحي ودبلوماسي في آنٍ واحد، قام الدكتور القس أندريه زكي، رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، بزيارة رعوية إلى قبرص شملت مشاركة فعالة في خدمة صباح الأحد داخل الكنيسة الدولية الإنجيلية (International Evangelical Church – IEC). تجيء هذه الزيارة في توقيت تشهده الكنيسة الإنجيلية عالميًا من تحديات تتعلق بتغير الأوضاع السياسية والاجتماعية والدينية، ما يفتح المجال أمام آفاق تعاون جديدة بين الكنائس في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. ووسط مشاركة دولية واسعة، جاءت الكلمة الروحية التي ألقاها الدكتور زكي بعنوان “إدارة العاصفة” لتطرح مفاهيم قيادية وروحية حديثة تهم كل مؤمن، وتسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الكنيسة الدولية الإنجيلية في هذا الإطار المتغير.
في هذا المقال نلقي الضوء على أبعاد هذه الزيارة، وسياقها التاريخي، وتطورات الكنيسة الدولية الإنجيلية، إضافة إلى تحليل استراتيجي لأثرها المستقبلي على التعاون الكنسي بين مصر وأوروبا.
تاريخ عابر للحدود وبصمة في قلب أوروبا
تعد الكنيسة الدولية الإنجيلية من المؤسسات الدينية النشطة في أوروبا، وخاصة في قبرص التي تحتضن جالية دولية كبيرة من مسيحيي الشرق الأوسط، وأفارقة، وأوروبيين، وأميركيين. أنشئت الكنيسة لتخدم مجتمعات متعددة الجنسيات وتعتمد في خدماتها على اللغات الإنجليزية واليونانية والعربية، مما يجعلها منصة دينية جامعة تعزز التفاهم والتعاون بين ثقافات مختلفة.
تمتاز الكنيسة الدولية الإنجيلية باتباعها لنهج لاهوتي معتدل يجمع بين التعليم البروتستانتي التقليدي والانفتاح على القضايا الاجتماعية والبيئية المعاصرة. وقد شهدت السنوات الأخيرة توسعًا واضحًا في عدد روادها وبرامجها المجتمعية، خاصة في ظل تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى قبرص.
إحصائيًا، تشير بيانات مجلس الكنائس العالمي لعام 2024 إلى أن الكنيسة الدولية الإنجيلية سجلت ارتفاعًا بنسبة 18% في عدد المشاركين في خدماتها الأسبوعية خلال الثلاث سنوات الماضية، وهو ما يعكس دورها الفعال في استيعاب المتغيرات السكانية والديموغرافية.
رؤية شاملة لتعزيز العلاقات الدولية
يمثل الدكتور القس أندريه زكي أحد أبرز الأصوات الدينية المعتدلة في الشرق الأوسط، ويُعرف بدوره القيادي ليس فقط في الطائفة الإنجيلية بمصر، بل أيضًا من خلال رئاسته للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية. يركز زكي في نشاطاته على محورين أساسيين: الأول هو تعميق البعد الروحي للمؤمنين، والثاني يتمثل في الانخراط القوي في قضايا التنمية والعدالة الاجتماعية.
زيارته إلى الكنيسة الدولية الإنجيلية ليست مجرد حدث رعوي، بل يمكن النظر إليها في سياق دبلوماسية دينية جديدة تسعى لبناء جسور من التعاون بين الكنائس في جنوب المتوسط وشماله. ويُتوقع أن تسهم هذه الخطوة في فتح أبواب جديدة للتعاون في مجالات متعددة، منها التعليم اللاهوتي، والخدمة المجتمعية، والمناصرة الحقوقية.
وفي تصريح خاص لموقع “Christianity Today”، أشار القس زكي إلى أن زيارته “تندرج ضمن استراتيجية لتوطيد الروابط بين الكنيسة الإنجيلية المصرية ونظيراتها في أوروبا، خاصة في ظل التحديات الأخلاقية والاجتماعية التي تواجه المسيحية المعاصرة”.
أقرًا أيضًا: هل يدعم السيسي وحدة ليبيا؟.. “عياد رزق” يكشف تفاصيل لقاء الرئيس بـ عقيلة صالح
منبر للتنوع واحتواء الأزمات
تُعد الكنيسة الدولية الإنجيلية في قبرص نموذجًا متقدمًا لفهم وتطبيق مفهوم “الكنيسة الجامعة”، حيث تحتضن رعايا من خلفيات ثقافية ولغوية مختلفة، وتُعنى بتقديم برامج روحية ومجتمعية تراعي هذا التنوع.
وقد أطلقت الكنيسة في مطلع عام 2025 مبادرة تحت عنوان “الاحتضان في زمن الاضطراب”، والتي تهدف إلى تقديم خدمات دعم نفسي وروحي للنازحين من مناطق النزاع مثل سوريا وغزة وأوكرانيا. ومن المتوقع أن يتم التعاون في هذا المشروع مع الهيئة القبطية الإنجيلية في مصر، بحسب تصريحات القس فيكتور عطالله، راعي الكنيسة الدولية الإنجيلية.
وتمثل زيارة القس زكي فرصة لتبادل الخبرات وتوسيع شبكة التعاون، لا سيما وأن الكنيسة الدولية الإنجيلية تنشط أيضًا في ملف العمل الإنساني عبر شراكات مع منظمات مثل World Vision وACT Alliance.
قراءة في رسالة روحية عابرة للأوطان
في خدمته الروحية التي ألقاها خلال زيارته للكنيسة الدولية الإنجيلية، اختار القس أندريه زكي عنوان “إدارة العاصفة”، في إشارة رمزية إلى التحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات والكنائس على حد سواء. الرسالة حملت أبعادًا تتجاوز البُعد الديني التقليدي، حيث تضمنت دعوة للتعامل مع الأزمات باعتبارها فرصًا للنمو الروحي والقيادة المجتمعية.
أبرز ما جاء في الكلمة هو التأكيد على أهمية الثقة في تدخل الله وسط الاضطرابات، وأهمية دور كل مؤمن في أن يكون عنصرًا للرجاء. ومن اللافت أن الكلمة لاقت تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث جرى تداول مقاطع منها على صفحات الكنيسة الدولية الإنجيلية الرسمية.
ولم تكن الرسالة خطابًا وعظيًا فحسب، بل جسّدت نموذجًا لما يمكن أن تقدمه الكنيسة الدولية الإنجيلية كمنبر توجيهي وداعم للمؤمنين في ظل التحديات المعاصرة.
التعاون المستقبلي بين مصر وقبرص: نحو شراكة كنسية أوسع
يتوقع مراقبون أن تمثل زيارة رئيس الطائفة الإنجيلية نقطة انطلاق نحو شراكة جديدة بين الكنيسة الدولية الإنجيلية والكنيسة الإنجيلية بمصر. وقد ترددت أنباء عن ترتيبات لعقد مؤتمر دولي للكنائس الناطقة بالعربية والإنجليزية في مدينة لارنكا القبرصية خلال عام 2026.
وسيُخصص جزء من المؤتمر لمناقشة ملفات اللاجئين والدور الاجتماعي للكنائس، إضافة إلى إطلاق مبادرات لتبادل طلاب لاهوتيين بين المعاهد الإنجيلية في مصر وقبرص.
يُذكر أن العلاقات بين الكنيستين تعود إلى سنوات طويلة، لكنها شهدت دفعة جديدة عقب زيارة ممثلين عن الكنيسة الدولية الإنجيلية إلى القاهرة عام 2022، ما يمهد لتكامل استراتيجي في ملفات تتعلق بالتعليم، والحوكمة الكنسية، والتواصل بين الشباب.
الكنيسة الدولية الإنجيلية: قوة ناعمة في المشهد الديني الأوروبي
في خضم صعود اليمين المتطرف، وتراجع الثقة بالمؤسسات الدينية في أوروبا، تبرز الكنيسة الدولية الإنجيلية كنموذج للكنيسة المتجددة القادرة على التفاعل مع متغيرات العصر. هذا الحضور لا يقتصر على الجوانب الروحية، بل يمتد إلى الدور المجتمعي والحقوقي والدعم النفسي.
بيانات منصة Pew Research Center تُظهر أن الكنيسة الدولية الإنجيلية تمثل نحو 8% من إجمالي الكنائس الإنجيلية في أوروبا، وتتميز بتركيبة بشرية شديدة التنوع، حيث لا تتجاوز نسبة المصلين المحليين فيها 35%، والباقي من جنسيات متعددة.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة الدكتور أندريه زكي كخطوة استراتيجية لتوطيد هذا النموذج وتوسيع نطاقه ليشمل كنائس الشرق الأوسط. وربما تمثل هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة من التأثير المتبادل بين الكنائس الإنجيلية في الشمال والجنوب، وسط أزمات سياسية، ومناخية، واقتصادية عالمية.
جدول مقارن يوضح طبيعة التعاون بين الكنيسة الدولية الإنجيلية والكنيسة الإنجيلية المصرية
المحور | الكنيسة الدولية الإنجيلية | الكنيسة الإنجيلية المصرية | فرص التعاون |
---|---|---|---|
اللغة المستخدمة | الإنجليزية والعربية واليونانية | العربية والإنجليزية | توحيد المناهج التعليمية |
الجمهور المستهدف | جاليات متعددة الجنسيات | المصريون واللاجئون | برامج تبادلية |
المجالات المجتمعية | دعم اللاجئين، الصحة النفسية | تنمية مجتمعية، العدالة الاجتماعية | مشاريع مشتركة |
العلاقات الدولية | نشطة مع كنائس أوروبا وأمريكا | تنسيق محدود مع الخارج | توسيع الشراكات |
في النهاية
بهذا تكون زيارة رئيس الطائفة الإنجيلية إلى الكنيسة الدولية الإنجيلية في قبرص قد فتحت أفقًا جديدًا لحضور إنجيلي أكثر انفتاحًا وتعاونًا على المستويين الروحي والمجتمعي، في عالم بات أحوج ما يكون إلى الكنائس التي تتجاوز الأسوار لتكون ملجأ للإنسانية المتعبة.
أقرًا أيضًا: هل يزيل تعديل الإيجار القديم كابوس الإخلاء؟ مجلس النواب يوافق بشروط جديدة!