في تحول تشريعي جديد طال انتظاره، وافق مجلس النواب المصري على تعديل المادة الثامنة من مشروع قانون الإيجار القديم، وهو ما يُعد تطورًا بالغ الأهمية في ملف يؤرق ملايين الأسر المصرية منذ عقود. التعديلات الجديدة، التي تتعلق بتوفير بدائل سكنية قبل الإخلاء، تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين. فهل تنجح هذه الخطوة في إزالة كابوس الإخلاء الذي يُخيم على مستأجري الإيجار القديم؟
أبرز ما جاء في التعديلات: ضمان بديل سكني قبل الإخلاء
أهم ما ميز التعديل الأخير في قانون الإيجار القديم هو اشتراط عدم إخلاء المستأجر الأصلي أو زوجه من الوحدة المستأجرة إلا بعد توفير وحدة بديلة مناسبة من الدولة، على أن يتم ذلك قبل عام كامل على الأقل من تنفيذ الإخلاء. وبذلك، لا يصبح المستأجر فريسة للمجهول، بل يضمن وجود سقف بديل يحمي أسرته من التشرد.
إضافة إلى ذلك، وضعت التعديلات آلية واضحة تضمن للمستأجرين التقدم بطلبات لتخصيص وحدات بديلة، سواء كانت سكنية أو غير سكنية، تمليكًا أو إيجارًا، على أن تراعي الدولة الأولويات الاجتماعية، مثل كبار السن، والأسر الأولى بالرعاية.
الإيجار القديم بين مطرقة الملاك وسندان المستأجرين
قضية “الإيجار القديم” لطالما كانت مثار جدل في الأوساط التشريعية والاجتماعية والاقتصادية. فمن جهة، يرى ملاك العقارات أن القانون القديم حرمهم من حقوق عادلة في استغلال ممتلكاتهم، بسبب التجميد الطويل لقيمة الإيجار. ومن جهة أخرى، يرى المستأجرون، خاصة من الطبقة المتوسطة والفقيرة، أن هذا القانون هو الضامن الوحيد لاستقرارهم السكني.
تأتي التعديلات الأخيرة لتفتح بابًا لحل توافقي، يضع حداً لهذه المعركة الطويلة، عبر توفير بدائل آمنة للمستأجرين، دون المساس الكامل بحقوق الملاك.
أقرًا أيضًا: هل يستمر هبوط أسعار النفط بعد تهدئة التوترات في الشرق الأوسط؟
الرؤية الحكومية: العدالة الاجتماعية محور الإصلاح
أعلنت الحكومة المصرية أن التعديلات في قانون الإيجار القديم ليست فقط استجابة لضغوط اقتصادية، وإنما تأتي ضمن خطة أشمل لتحقيق العدالة الاجتماعية. وأكد وزير الإسكان أن الدولة تعمل على إعداد قاعدة بيانات شاملة للوحدات المتاحة والتي يمكن تخصيصها كمساكن بديلة.
كما أشار إلى أن عملية تخصيص البدائل ستتم وفقًا لضوابط شفافة، تراعي طبيعة المناطق، وعدد السكان، ودرجة الاحتياج، بالإضافة إلى ضمان عدم إسكان أسر من مناطق معينة في بيئة لا تناسب ظروفهم الاجتماعية.
قبل وبعد تعديل المادة الثامنة
المعيار | قبل التعديل | بعد التعديل |
---|---|---|
حق المستأجر في البقاء | مفتوح وغير محدد بزمن | مشروط بتوفير بديل مناسب قبل عام من الإخلاء |
التزامات الدولة | غير مُلزمة بتوفير وحدات بديلة | مُلزمة بتوفير وحدات بديلة بناءً على طلب المستأجر |
أولوية التخصيص | غير منظمة | الأولوية للمستأجر الأصلي وزوجه ووالديه |
الإجراءات القانونية للإخلاء | غير واضحة | تعتمد على تقديم إقرار بالإخلاء واستلام الوحدة البديلة |
هذا الجدول يُبرز التحول الحاصل في فلسفة القانون من حماية مطلقة للمستأجرين إلى تنظيم العلاقة بشكل متوازن.
هل البنية التحتية للدولة جاهزة؟
رغم الترحيب النيابي والمجتمعي بهذه التعديلات، إلا أن الأسئلة حول مدى قدرة الحكومة على توفير عدد كافٍ من الوحدات السكنية البديلة لا تزال مطروحة. فبحسب تقديرات غير رسمية، يبلغ عدد المستأجرين الخاضعين لنظام الإيجار القديم في مصر أكثر من 2.5 مليون أسرة.
وفي حال تطلب كل مستأجر وحدة بديلة، فإن الدولة ستكون أمام تحدٍّ كبير في توفير هذا العدد خلال الأطر الزمنية المحددة، مما يتطلب تعاونًا بين وزارة الإسكان وصندوق تطوير العشوائيات وهيئة المجتمعات العمرانية.
رؤية المجتمع المدني والخبراء العقاريين
اعتبر بعض خبراء السوق العقاري أن هذه التعديلات تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها بحاجة لمزيد من الحوافز للملاك، مثل منحهم تسهيلات ضريبية أو فرصًا لاستثمار العقارات المحررة.
من جانبهم، رحب عدد من ممثلي المجتمع المدني بالخطوة، وطالبوا بمتابعة دقيقة لعملية تخصيص الوحدات، ومنع التلاعب في أولوية الاستحقاق، مشددين على ضرورة تفعيل رقابة برلمانية وإدارية قوية لضمان العدالة.
أقرًا أيضًا: هل الإيجار القديم على المحك؟ حنفي جبالي يعاتب الحكومة لنقص بيانات المستأجرين
هل تنهي التعديلات أزمة الإيجار القديم؟
الإجابة ليست بسيطة. التعديلات خطوة مهمة، لكنها لن تكون كافية بمفردها لإنهاء أزمة ممتدة لعقود. هناك حاجة لتحديث شامل في فلسفة الإسكان والإيجارات في مصر، يتضمن حلولًا مبتكرة مثل دعم الإيجار الاجتماعي، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص.
ما هو مؤكد أن الدولة بدأت السير في طريق الإصلاح المتوازن، ونجاح هذا المسار سيتوقف على مدى الجدية في تنفيذ النصوص التشريعية الجديدة.
في النهاية
في ظل تعقيدات ملف الإيجار القديم، يمثل تعديل المادة الثامنة خطوة واقعية نحو معالجة الإشكاليات التاريخية التي عانى منها الطرفان، المالك والمستأجر. ورغم أن التنفيذ لا يزال مرهونًا بقدرة الحكومة على توفير وحدات بديلة كافية، فإن التشريع الأخير يمنح بارقة أمل حقيقية لإعادة التوازن للعلاقة الإيجارية. استمرار الحوار المجتمعي، والرقابة الصارمة، والتدرج في تطبيق القانون، كلها عوامل ستحسم مصير هذا التعديل. ويبقى الأمل أن يكون الإصلاح الجديد بداية لحل شامل وعادل يُنهي معاناة سنوات طويلة تحت عباءة الإيجار القديم.
أقرًا أيضًا: سعر الذهب 1 يوليو 2025.. هل يستقر عيار 21 أم يواصل الصعود المفاجئ؟