مع اقتراب موسم الحج، تتزايد تساؤلات الحجاج حول الاستطاعة والقدرة على أداء المناسك، خصوصًا لمن يعانون من أمراض مزمنة أو إعاقات جسدية تمنعهم من أداء الحج بصورة تقليدية. وتأتي “فتاوى الحج في حالة المرض” لتُقدّم حلولًا فقهية واضحة، تضمن تيسير الشعائر دون إخلال بأركان الفريضة. هذا المقال يستعرض أحدث الأحكام الشرعية الصادرة عن دار الإفتاء المصرية، ويجيب على أبرز الأسئلة التي تهم الحجاج المرضى وذويهم.
حكم الإنابة عن المريض في أداء فريضة الحج
بحسب “فتاوى الحج في حالة المرض”، يجوز للمريض الذي لا يستطيع أداء مناسك الحج بنفسه أن يوكل غيره للحج عنه، بشرط أن يكون الوكيل قد أدّى فريضة الحج عن نفسه سابقًا. يُطلق على هذا النوع من الحجاج اصطلاحًا “المعضوب”، أي من أصيب بعجز دائم يمنعه من السفر أو الوقوف على عرفات أو الاستقرار على وسائل النقل.
واستدل العلماء بحديث امرأة خثعمية التي سألت النبي ﷺ عن والدها العاجز، فأجاز لها الحج عنه. وبهذا تؤكد فتاوى الأزهر ودار الإفتاء المصرية أن من يتعذر عليه أداء الحج ببدنه، فالتوكيل جائز شرعًا، سواء كان العذر مرضًا عضويًا أو عجزًا دائمًا.
ضوابط الإنفاق على الحج بالنيابة عن المريض
تشترط “فتاوى الحج في حالة المرض” توفر المال الكافي لدى المريض للإنفاق على من سيحج عنه، بشرط ألا يكون ذلك على حساب سداد ديونه أو نفقة عياله. كما يجوز أن يتطوع شخص بالحج عن المريض دون مقابل، وفي هذه الحالة لا يُشترط توفر المال.
المعيار الفقهي الحاكم هنا هو: “الاستطاعة المالية الفائضة عن الحاجات الأساسية”. لذا فإن أي شخص يتوفر لديه مال زائد عن نفقته ونفقة من يعول، ويعلم أنه لن يُشفى قبل انتهاء حياته، فإنه يُطلب منه أن يُنيب.
الحالات التي يُعد فيها المريض غير مستطيع للحج
في ضوء “فتاوى الحج في حالة المرض”، حُددت مجموعة من الحالات يُعد فيها المريض غير مستطيع شرعًا، ومن ثم يُعفى من أداء الفريضة بنفسه:
- العمى الكامل الذي يمنع الحركة المستقلة.
- الإصابة بالشلل النصفي أو الكلي.
- أمراض القلب أو الرئة في مراحلها المتقدمة.
- الفشل الكلوي المزمن.
- الزمانة والعرج الشديد والدوار الملازم.
- فقدان القدرة على التحكم في البول أو الإخراج.
- عدم وجود مرافق أو محرم (بالنسبة للنساء).
في كل تلك الحالات، يُعد المريض غير قادر على الحج، ويجوز له التوكيل.
فتاوى دار الإفتاء في المسائل التطبيقية الشائعة
الحج عن شخص حي مريض:
أكدت دار الإفتاء جواز أداء الحج عن الشخص المريض إذا كان عاجزًا عجزًا دائمًا، وليس من الضروري الانتظار حتى وفاته، بشرط أن يكون الموكل قد أدّى الفريضة عن نفسه.
حالة التنقل والمواصلات:
أجابت الإفتاء عن حالة شخص لا يستطيع تثبيت نفسه في السيارة أو الطائرة بسبب دوار مزمن، وأكدت أن هذه الحالة تدخل ضمن حالات “المعضوب” ويجوز الحج عنه.
حالة الزوجة المريضة:
إذا كانت الزوجة غير قادرة على الحركة أو تحتاج إلى من يحملها في معظم تنقلاتها، جاز للزوج أن يحج عنها بشرط أن يكون قد حج عن نفسه.
أداء المناسك بالحالة المرضية
أوضحت “فتاوى الحج في حالة المرض” أن من يحمل قسطرة بولية، أو يعاني من سلس البول، يُعتبر طاهرًا ما دام قد توضأ قبل الطواف ولم يُنقض وضوءه بأي سبب آخر. يجوز له الطواف دون حرج، بشرط الحفاظ على النظافة الشخصية وعدم التعدي على طهارة المكان.
أما الطواف على الكرسي المتحرك، فقد نصت الفتوى على جوازه التام للعاجز عن المشي، مستشهدة بحديث أم سلمة رضي الله عنها التي طافت راكبة بإذن النبي ﷺ الكرسي المتحرك في هذه الحالة يُعد امتدادًا لجسم المريض.
التوجيهات الفقهية والإرشادية للحجاج المرضى
لضمان أداء صحيح لمناسك الحج من قِبل المرضى، تنصح الهيئات الفقهية بما يلي:
- استشارة طبيب مختص قبل السفر.
- تقديم التقارير الطبية للجهات المنظمة للحج.
- اصطحاب مرافق أو فريق طبي إن لزم.
- إعداد حقيبة دواء مخصصة للحالات المزمنة.
- مراجعة “فتاوى الحج في حالة المرض” المعتمدة من دار الإفتاء أو مجمع البحوث الإسلامية.
شروط الطهارة للمريض أثناء أداء مناسك الحج
وفقًا للفتاوى المعتمدة، فإن شرط الطهارة أثناء الطواف والسعي يمكن التعامل معه بمرونة شرعية في حال وجود عذر دائم. فمن يعاني من سلس البول أو من يحمل قسطرة بولية يعتبر في حكم الطاهر ما دام توضأ لكل صلاة أو طواف ولم يُنقض وضوءه بغير العذر المعتاد لديه.
هذا الحكم يندرج تحت قاعدة “المشقة تجلب التيسير”، ويُعد من الأحكام الفقهية التي تُمكّن المرضى من أداء مناسكهم دون حرج أو تأخير.
حكم رمي الجمرات عن المريض
أجازت الفتاوى أداء رمي الجمرات بالإنابة عن المريض الذي لا يستطيع الوصول إلى الجمرات بسبب حالته الصحية أو عجزه البدني، بشرط أن يوكّل شخصًا قادرًا على أداء هذا النسك في وقته المحدد.
ويُنصح المرضى الذين يُرجى شفاؤهم بالتحقق من قدرتهم يوميًا، فإن لم يستطيعوا، جاز لهم توكيل مرافقهم أو أي شخص آخر من الحملة.
استعمال الأجهزة الطبية أثناء الإحرام
تسمح الشريعة الإسلامية باستخدام الأجهزة الطبية اللازمة للمريض أثناء الإحرام، مثل الكراسي المتحركة، وأجهزة التنفس، والقسطرة، والجبائر، بشرط ألا تكون هذه الأدوات سببًا في انتهاك أحد محظورات الإحرام.
أما ارتداء الحزام الطبي أو المشد لأغراض علاجية، فقد أجازته الفتاوى بشرط الضرورة وعدم الترفُّه به. ويُعتبر الحزام الطبي من مستثنيات محظورات اللبس في حال المرض.
الإفطار لأداء المناسك لمن يعاني من أمراض مزمنة
في حالات مثل مرضى السكري أو الكلى، الذين يتطلب علاجهم تناول أدوية أو سوائل باستمرار، يمكنهم الإفطار إذا كان الحج في موسم رمضان. وينبغي عليهم تعويض هذا اليوم لاحقًا، ولا يُطلب منهم الجمع بين الصيام وأداء المناسك في وقت واحد إذا تعذر ذلك طبيًّا.
الانتقال بين المشاعر في حالة المرض
من يعاني من أمراض مزمنة ويحتاج إلى رعاية طبية مستمرة، يجوز له التنقل بين مشاعر منى وعرفات ومزدلفة بسيارة مخصصة أو إسعاف، سواء في الوقت النظامي أو قبله أو بعده، بشرط أن يمر بتلك الأماكن ولا يتجاوز الوقوف بعرفة.
وقد سمحت الهيئات المنظمة للحج بترتيبات صحية خاصة لهذه الفئة من الحجاج تشمل:
- الإقامة في مخيمات مكيّفة مجهزة طبيًّا.
- توفير فرق تمريض ومرافقة.
- برامج انتقال مرنة للحالات الطارئة.
أحكام الحلق والتقصير في حال الإصابات أو الجراحة
إذا كان المريض قد خضع لجراحة في الرأس أو الجلد، أو يعاني من التهابات تمنعه من الحلق، فيجوز له التقصير فقط، أو أن يوكل غيره بالحلق إذا أمكن ذلك. أما المرأة فيكفيها قصّ جزء من طرف شعرها قدر أنملة.
ويجوز تأجيل الحلق أو التقصير لموعد لاحق في اليوم نفسه بعد العلاج أو الاستراحة، ما دام ذلك قبل مغادرة منى.
ماذا لو ساءت حالة المريض فجأة؟
في حال حدوث طارئ صحي يمنع المريض من استكمال مناسكه:
- إذا حدث ذلك قبل الوقوف بعرفة، يمكنه التحلل بنية “الاشتراط” (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني).
- إذا حدث بعد عرفة، ووقف فيها لحظة واحدة، يُعد قد أدرك الحج، ويُتم المناسك قدر المستطاع أو بالإنابة.
وينصح الفقهاء باستخدام رخصة “التحلل بالاشتراط” عند نية الإحرام، خصوصًا للحجاج المرضى، لأن ذلك يُسقط عنهم الفدية حال الطوارئ.
اقرأ ايضا: نهائي الدوري الأوروبي 2025.. مانشستر يونايتد يسعى لتحطيم رقم تاريخي أمام توتنهام
