المحتويات
بقلم | محمود علي
ظللت حتى وضح النهار، أفكر كيف ومن أين أبدأ حكايتي مع الشياطين هذه.. كيف أسرد تفاصيل الألم الأشد في حياتي، وكيف أتحمل وجعه وأنا أكتبه بيدي، لكني في النهاية قررت أن أفعل دون أن أرتب أفكاري، وقررت أن أطلق العنان لقلمي ليُخرج ما في قلبي كما يحلو له..
كان أكبر خطأ في حياتي، هو تجاهل الاهتمام بما يُقال عن شياطين الإنس، كنت أظن أن قدرات الشياطين في إلحاق الأذى بالناس مقتصرة فقط على تحريضهم على إيذاء أنفسهم بأنفسهم، لكني تأكدت أن لديهم قدرات أكبر بكثير في أذية الناس عبر الناس.
حكايتي مع ونوس
في رمضان قبل الماضي، شاهدت مسلسل ونوس الذي قام ببطولته الممثل العبقري، يحيى الفخراني،
والذي كان يُجسد فيه دور إبليس “لعنه الله” وكيف يقوم بإغواء ضحاياه والإيقاع بهم، لكن أهم ضحية لفتت نظري في المسلسل، كان ذلك الرجل المتصوف الذي لم يكن يُفوت فرضاً من فروض الصلاة إلا ويؤديه في المسجد، وكيف قام إبليس بالإيقاع به عن طريق نفس النهج، فمن خلال نفس المنطق الديني تجسد له إبليس في صورة الرجل المتدين الذي بات يُحرضه على كل ما هو شر، حتى أبعده تماماً عن رفاقه وعن بيته وأولاده وعن طريق الله، لولا أن الله اختار أن يقبض روحه قبل أن يختطفها إبليس أو ونوس كما شاهدنا في آخر مشهد بالمسلسل.
لم يكن القصد من إظهار شخصية الرجل المتدين في المسلسل، هي طريقة إغواء إبليس له وإبعاده عن طريق الله وحسب، وإنما التأكيد على أن الشيطان قد يتجسد في نفوس حتى ما نراهم ومن يرون أنفسهم على مقربة من الله بأي شكل كان.
الثقة في أصحاب التدين الظاهري
كنت كما العديد من الناس لدي ثقة شبه عمياء بأولئك الناس الذين نضعهم في خانة المتدينين،
صحيح أنا لست متديناً بما يكفي، لكني كنت أحب هذه النماذج وكنت أميل لها أكثر من غيرها،
لكن ذلك كان جهلاً ربما أو قلة خبرة مني، وربما لو قرأت تجربة ما مشابهة لتوخيت الحذر، لكن
يبدو أن أحداً لم يجرؤ على تحذير الناس من هؤلاء، فقررت أن أحكي حكايتي مع هؤلاء.. أفعل
ذلك بدافع من أكبر طعنة تلقيتها في حياتي، لعل غيري يتعظ ويتدارك ما لم أستطع تداركه.
ففي أكثر مكان في حياتي أخلصت فيه وبذلت فيه كل طاقتي وأضعت فيه أحلى سنوات عمري
وفوت فرصاً ذهبية لأجله على نفسي، طعنني أربعة شياطين من شياطين الإنس بخنجر واحد
في ظهري بتسلسل سينمائي رهيب، دون أن يدري أحد منهم أنه يُكمل دور الآخر في إيذائي.
كان الأول شخصاً كنت أعتبره أخاً وصديقاً رغم عيوبه الكثيرة من الكبر والغيرة والأنانية وعدم
التقدير، وتسليم أذناه للكثير ليتحكموا في قراراته كيفما شاءوا..
لكن ما رأيته من تدين فيه جعلني أسلم له بثقة عمياء وأتخذه خليلاً وهو لم يكن يستحق ذلك
أبداً، بعد أن طعنني أكثر من مرة وباعني كثيراً لحساب غيري بالرخيص، لكني كنت كل مرة
أغفر وأعود وأسامح، ونفسي تقول لي إن ذلك كان غير متعمد، غير أن الطعنة الأولى التي
أطلقت دوياً صغيراً في جسدي منه، قد أحدثت جرحاً، أخذ يُزيد منه بطعنات آخرى أشد ألماً،
حتى وصل الألم إلى ذروته من جراء طعنة كانت الأقوى.
قرر الشخص ذاته إيذائي في المرة الأولى لحساب غريب، ثم عاد بعد فترة قصيرة، وقام بالفعل
ذاته، بعد أن سلم أذناه لغريب بدأ يطعن في شخصي وجهدي، حتى بات يراني أنا بعين الغريب
الحاقد، رغم أنه يعرفني جيداً منذ سنوات وسنوات ولم ير في حياته مني إلا كل خير.
حكايتي مع الثاني
وكان الثاني من بني جنسي، كما الحال بالنسبة لفئة نعرفها جيداً في مصر تشتغل في العمل الإعلامي، بفضل إجادتها للنفاق والتملق والطعن في الآخرين لكسب ثقة المدراء والمسؤولين وإثبات أفضلية عن غيره من الموظفين، وقد كان هذا ما فعله بالضبط منذ أن حل بالمكان الذي وُلدت مع ميلاده وأضعت عمري فيه، فتشكك المسؤول الذي كان هو ذاته الشخص الأول في شخصي وجهدي وعملي وإخلاصي وأخلاقي، رغم أنهم يعرفني جيداً، لكن الغريب كان كما الساحر بالنسبة لهم، وأكل عقله في زمن قياسي.
حكايتي مع الثالث
كان الثالث أحد الأشخاص الذي شاءت الأقدار أن أكون المسؤول عن إظهار أعماله في مكان ما سابق، ولحق بي كذلك في المكان الذي أعنيه، وأتذكر جيداً بداياته وطريقة تعارفه بي التي كانت جد خجولة، لكنها ألمتني حين رأيته بعد سنوات وهو يُحاول الانتفاض في وجهي وإظهار أخطائي على العلن، من أجل سد ما كان يشعر به من نقص تجاهي، وطمعاً في مرتبة إضافية له عند ذات الشخص “المسؤول”، ومحاولة لإثبات أفضلية علي، وكان دون أن يدري يُكمل دور الأول والثاني في إيذائي بشكل مختلف.
حكايتي مع الرابع
أما الرابع فقد كان شخصاً كنت أحترمه بشدة، وأنا الذي زاملته في مكان ما سابق، رغم أننا لم نلتقـ في قسم واحد، لكننا تزاملنا في منبر واحد، إلا أنه ومنذ عودتي للمكان المذكور بعد فترة غياب، وجدته قد تغير وبات همه الأول منذ أن وطأت قدماي المكان أن يُثبت لي أنه الشخص الأهم، الشخص الأكثر معرفة بكل شيء هنا، الشخص الذي يجب أن يُعدل علي كل شيء حتى لو لم يكن يحتاج لتعديل، فقط من أجل السيطرة علي، ولما باءت محاولته بالفشل قرر تحريض المسؤولين علي، وبات يتحين أي فرصة من أجل الإيذاء بي عن طريق نفس المسؤول، الشخص الأول، الذي كان يُسلم رأسه وعقله لأي شخص، ناهيك عن البذاءات والإهانات التي كان يُوجهها لي على مرأى ومسمع من الجميع من الصغير للكبير، والتي كانت تُقل مني حتى أمام الشباب الصغير الذي كان يخطو أولى خطواته في هذه المهنة.
وبعد فترة….
بعد فترة تحسنت علاقته بي، دون أن أعرف الأسباب التي غيرته فجأة، ولا أنكر أنه كان ودوداً مثل المرة الأولى التي عرفته فيها، لكن حميميته المفاجئة زادتني تأكيداً على أنه كان يتعمد إيذائي، فلم أستطع استساغتها بعد ذلك.
في النهاية، اتفق علي الشياطين الأربعة دون أن يُخططوا ضمنياً لذلك، لكن كل واحد فيهم كان يؤدي دوره ببراعة وهو لا يدري أنه يُكمل الآخر في مسلسل إيذائي، حتى نجحوا في توجيه أكبر طعنة لي في حياتي، وإقصائي بعيداً عن المكان الذي لايزال عرقي يملأ جنباته حتى الآن.
لا أسرد حكايتي هذه طمعاً في أي شيء، فأنا لا أريد الاحتكاك بهؤلاء الأربعة حتى مماتي، وسأختصمهم أمام الله يوم القيامة، وأنا لا أدعي أني شخص متدين ولا حتى أكثر الناس خلقاً، لكني أستطيع أن أؤكد بكل فخر وأمام الله أني لم أؤذ شخصاً في يوم أبداً، وأن أقصى رد فعل لي أمام كل من آذوني أو حاولوا، هو أن أفضفض ببضع كلمات.
النهاية والعبرة
لكن لعل ما حدث معي يكون عظة لمن هم الآن يعتقدون أن الثقة في الناس تُبنى بالسنوات، ولعلني لو قرأت تجربة مُشابهة لي لما وثقت أبداً في هؤلاء.
ورغم لا أنكر أني مازلت متأثراً بما حدث، ولا أنكر أني تعرضت لأذى نفسي الله وحده يعلم به، لكني أحمد الله على مروري بهذه التجربة الصعبة، فلعل تربية أهلي لي المحافظة علي بشدة جعلتني أتأخر في تلقي تلك الخبرات في وقت مبكر من عمري، فتلقفتها وأنا في أواخر عامي التاسع والعشرون، وتعلمت أن لا أثق مطلقاً في أي شخص، مهما دامت العلاقة بيننا لسنوات، ومهما بدا لي متخلقاً ومتديناً، وتعلمت أن أتجنب الحاقدين حتى لو كان في قربهم الملايين، وتعلمت أن لا أصادق الرجل الذي يستطيع أي شخص السيطرة على أذنيه والتأثير عليه يساراً ويميناً، تعلمت أن لا أثق سوى في أبي وأمي، وأن لا أضع غيرهما في قلبي، وتعلمت أن لا ألجأ سوى للخالق لأنه الوحيد الذين لن يُعايرني أبداً على لجوئي له في يوم ما…
وحسبي الله ونعم الوكيل.