تصاعدت مؤخرًا التحذيرات المصرية بشأن الوضع في حوض النيل الشرقي، على خلفية استمرار بعض الأطراف في اتخاذ إجراءات أحادية مخالفة لقواعد القانون الدولي المتعلقة بالموارد المائية المشتركة. وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أن القاهرة ترفض أي خطوات أحادية يمكن أن تمس حقوقها المائية أو تخل بالتوازن القائم في إدارة مياه النيل، مشددًا على أهمية التعاون الإقليمي لتحقيق المنفعة المشتركة.
هذا الموقف المصري يأتي في وقت حساس، حيث تتشابك ملفات الأمن المائي مع القضايا الإقليمية والدولية، وسط تحركات دبلوماسية مكثفة لتعزيز التنسيق بين الدول المعنية.
خلفية النزاع في حوض النيل الشرقي
يضم حوض النيل الشرقي ثلاثة أطراف رئيسية: مصر، السودان، وإثيوبيا، ويتركز النزاع الحالي حول السدود ومشروعات تخزين المياه التي تقوم بها إثيوبيا على النيل الأزرق، أبرزها سد النهضة.
منذ انطلاق المشروع، برزت الخلافات بشأن قواعد الملء والتشغيل، وضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم يضمن عدم الإضرار بحقوق دول المصب. وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت المخاوف مع إعلان أديس أبابا استكمال مراحل متقدمة من التخزين دون اتفاق نهائي، ما دفع القاهرة والخرطوم إلى اللجوء إلى المؤسسات الإقليمية والدولية.
الموقف المصري: الثوابت والمرونة
ترتكز السياسة المصرية تجاه حوض النيل الشرقي على عدة ثوابت:
- الالتزام الكامل بالقانون الدولي والاتفاقيات الموقعة، خاصة اتفاقية 1902 واتفاقية 2015.
- رفض الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تؤثر على حصص المياه التاريخية.
- السعي لحل النزاع عبر الحوار والمفاوضات المباشرة أو بوساطة أطراف إقليمية ودولية.
ورغم الحزم في الدفاع عن الحقوق المائية، تبدي القاهرة مرونة في مناقشة آليات التعاون المشترك، مثل تبادل البيانات، والتنسيق في إدارة الفيضانات والجفاف.
دور جنوب أفريقيا والتحالفات الإقليمية
في الاتصال الأخير بين وزيري خارجية مصر وجنوب أفريقيا، برزت مؤشرات على تعزيز الشراكات الإقليمية لدعم الموقف المصري في ملف حوض النيل الشرقي.
جنوب أفريقيا، بصفتها رئيسة مجموعة العشرين هذا العام، تملك نفوذًا سياسيًا ودبلوماسيًا يمكن أن يسهم في تقريب وجهات النظر، خاصة أنها عضو بارز في الاتحاد الأفريقي.
تسعى القاهرة للاستفادة من هذه العلاقات لإعادة الملف إلى طاولة المفاوضات الجادة، وربطه بأجندات التنمية الإقليمية، بما يضمن مصالح جميع الأطراف.
الأبعاد القانونية للنزاع
القانون الدولي للأنهار الدولية يضع مجموعة من المبادئ الأساسية، منها:
- مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول: الذي يضمن توزيع الموارد المائية بطريقة تحقق العدالة لجميع الدول المشاطئة.
- مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن: الذي يلزم أي دولة بعدم الإضرار بمصالح الدول الأخرى من خلال مشروعاتها المائية.
- الإخطار المسبق: بوجوب إعلام الدول المتأثرة بأي مشروع جديد قبل تنفيذه.
تؤكد مصر أن الإجراءات الإثيوبية الأخيرة تخالف هذه المبادئ، ما يستدعي تحركًا دوليًا لضمان الالتزام بها.
السيناريوهات المحتملة
هناك عدة سيناريوهات أمام الوضع في حوض النيل الشرقي:
- العودة للمفاوضات: برعاية الاتحاد الأفريقي أو أطراف دولية مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي.
- التصعيد السياسي: عبر اللجوء إلى مجلس الأمن لبحث تداعيات الإجراءات الأحادية على الأمن والسلم الدوليين.
- التعاون الفني: في حال التوصل لاتفاق مرحلي يسمح بتبادل البيانات وإدارة الفترات الحرجة.
لكن كل سيناريو يعتمد على إرادة الأطراف وقدرتها على تقديم تنازلات متبادلة.
التأثير الإقليمي والدولي
يمتد تأثير أزمة حوض النيل الشرقي إلى ما هو أبعد من حدود الدول الثلاث، إذ تؤثر على الأمن الغذائي والمائي الإقليمي، وتؤجج التوترات في منطقة القرن الأفريقي، التي تعاني بالفعل من أزمات سياسية وأمنية.
كما أن أي تفاقم للنزاع قد يعرقل مشروعات الربط الكهربائي والتنمية الزراعية التي تخطط لها دول المنطقة، ويزيد من التنافس الدولي على النفوذ في شرق أفريقيا.
يبقى حوض النيل الشرقي اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأطراف على إدارة مواردها المشتركة وفق مبادئ القانون الدولي، وتحويل النزاع إلى فرصة للتكامل الإقليمي. التحركات الدبلوماسية الحالية قد تمهد الطريق لاتفاق شامل، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية والتزامًا بالمصالح المشتركة على المدى البعيد.
اقرأ أيضًا: لا حلول ترقيعية بعد اليوم: الحكومة تُسرّع تنفيذ قانون الإيجار القديم وتقول: مفيش اجتهاد