في خطوة تُعد من أبرز التحولات في ملف السكن المصري، بدأت الحكومة مرحلة جديدة تُركز على إعادة التوازن لعقود الإيجار القديمة من خلال خطة محكمة تهدف إلى تنفيذ قانون الإيجار على مراحل مدروسة. بعد سنوات من الجمود القانوني والاجتماعي، انطلقت الدولة بخطة تنفيذية تشمل تشكيل لجان تصنيف، إطلاق منصة إلكترونية، وتحديد آليات للسكن البديل، وكل ذلك تحت عنوان واضح “مفيش اجتهاد”. فهل نحن أمام تغيير جذري؟ هذا ما سنكشفه في السطور القادمة.
البرلمان يفتح الباب أمام إنهاء الإيجارات غير العادلة
بعد عقود من الإيجارات المتجمدة والعقارات التي لم تعد تعود بفائدة على أصحابها، صادق البرلمان المصري على تعديلات جوهرية تهدف إلى إنهاء العلاقة الإيجارية الممتدة بلا ضوابط. النص التشريعي الجديد يمنح فترة انتقالية لمدة سبع سنوات للعقارات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، ترتفع خلالها القيمة الإيجارية تدريجيًا بما يتناسب مع طبيعة المنطقة وسوق العقارات.
بدء العمل بهذه التعديلات يؤسس لمسار تطبيقي حقيقي، حيث أصبح تنفيذ قانون الإيجار التزامًا رسميًا من الحكومة لا رجعة فيه. القرار يشمل كذلك اعتماد أرقام دقيقة لتقييم الزيادات على حسب التصنيف الجغرافي والاجتماعي للمناطق المختلفة.
اللجان المحلية تتولى إدارة أولى مراحل التنفيذ
قررت الحكومة تشكيل لجان محلية في كل محافظة تتولى عملية تصنيف المناطق التي تشمل عقود الإيجار القديمة إلى ثلاث فئات رئيسية هي المتميزة، المتوسطة، والاقتصادية. هذه اللجان تمثل حجر الزاوية في تنفيذ قانون الإيجار لأنها المسؤولة عن تحديد طبيعة المنطقة والعقار، ما ينعكس مباشرة على قيمة الإيجار المستحدثة.
تعتمد هذه اللجان على معايير دقيقة مثل البنية التحتية، الموقع الجغرافي، ونوعية الخدمات المقدمة. ومن المقرر أن تنتهي هذه اللجان من مهامها خلال ثلاثة أشهر فقط، مع السماح بمد الفترة حسب الضرورة، وهو ما يضمن سرعة التطبيق دون الإضرار بحقوق المواطنين.
الحكومة تطلق منصة إلكترونية ومكاتب بريد لاستقبال طلبات السكن البديل
ضمن خطوات التطبيق العملي، أعلنت الحكومة عن إطلاق منصة إلكترونية ومكاتب بريدية لاستقبال طلبات المستأجرين المطالبين بوحدات بديلة بدءًا من الأول من أكتوبر. هذه المنصة ستظل متاحة لمدة ثلاثة أشهر، وتُعد أداة مركزية في مسار تنفيذ قانون الإيجار لأنها تنظّم البيانات وتضمن وصول الدعم لمن يستحق.
يستطيع المستأجر من خلالها تقديم طلبه بشكل مباشر، ويُتاح له اختيار شكل السكن المناسب سواء كان بنظام الإيجار المدعّم أو الإيجار بالتقسيط أو حتى التملك بنظام التمويل العقاري. وجود هذه الخيارات يعكس رغبة الحكومة في تسهيل الانتقال نحو نظام أكثر عدالة دون الإضرار بالأسر المتضررة.
الحكومة تضمن حقوق المستأجرين وتؤكد عدم إخلاء أي أسرة بدون بديل
رغم ما أثاره القانون من مخاوف، أكدت الدولة أنها لن تسمح بترك أي مستأجر دون مأوى. تم وضع معايير دقيقة لتحديد المستحقين للسكن البديل، وتشمل المستأجر الأصلي وأسرته، مع الأخذ في الاعتبار الدخل الشهري وعدد أفراد الأسرة.
هذا الالتزام يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من عملية تنفيذ قانون الإيجار، لأنه يعكس البعد الإنساني والتكافلي الذي تسعى الدولة لترسيخه. تم تخصيص آلاف الوحدات السكنية ضمن مشروعات “سكن لكل المصريين” لتلبية هذه الحاجة، والهدف هو استيعاب جميع المتضررين بشكل عادل ومنظم.
التعديلات تعيد التوازن إلى سوق العقارات وتنعش الاقتصاد المحلي
تشير التقديرات إلى أن ملايين العقارات في مصر تأثرت من نظام الإيجار القديم الذي لم يكن يواكب القيمة السوقية الفعلية. ومع تطبيق القانون الجديد، يتوقع أن يشهد السوق العقاري انتعاشًا تدريجيًا نتيجة تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر وعودة الثقة في الاستثمار العقاري.
تنفيذ قانون الإيجار لا يؤثر فقط على العقود القديمة، بل يمتد ليحرك عجلة الاقتصاد من خلال تشجيع البناء، ورفع معدلات التشغيل، وتوليد فرص استثمارية جديدة. من المتوقع أن ترتفع الإيجارات تدريجيًا بما يواكب طبيعة كل منطقة دون مبالغة أو تحميل المواطن ما لا يحتمل.
المرحلة المقبلة تشمل مراجعة التنفيذ وتعزيز التوعية المجتمعية
مع انطلاق المرحلة الأولى، تضع الحكومة نصب عينيها ضرورة مراجعة الأداء التنفيذي بشكل دوري، خاصة ما يتعلق بدقة البيانات الواردة من المنصة الإلكترونية وسرعة استجابة اللجان المحلية. من المقرر إطلاق حملات إعلامية للتوعية بأهداف القانون وطرق الاستفادة منه.
كما سيتم الربط بين المنصة الإلكترونية وقواعد بيانات الحكومة لضمان النزاهة ومنع التلاعب. مستقبل تنفيذ قانون الإيجار القديم يعتمد بشكل كبير على الشفافية والتعاون بين الدولة والمواطن، بما يضمن نجاح التجربة دون حدوث أزمات اجتماعية أو عقارية مفاجئة.
يُعد قانون الإيجار الجديد بداية لعصر عقاري مختلف في مصر، يحفظ حقوق جميع الأطراف ويعزز العدالة في استخدام الثروة العقارية. ما يحدث اليوم ليس مجرد تعديل قانوني بل هو مشروع وطني متكامل يُعاد من خلاله رسم ملامح العلاقة بين المواطن والدولة في مجال السكن.
تنفيذ قانون الإيجار هو التحدي الأبرز والأجرأ في مسيرة الإصلاح العقاري، لكنه أيضًا الفرصة الذهبية لتحقيق العدالة الاجتماعية، والاستقرار السكني، والنمو الاقتصادي المستدام.
اقرأ أيضًا: المستشار محمود فوزي عن قانون الإيجار القديم: معايير واضحة لتحديد مستحقي السكن البديل