في خطوة استراتيجية أعلنتها مصر وروسيا، أصبحت عبارة “استعانة روسيا بشركات مصرية” ليست شعارًا فحسب، بل واقعًا ملموسًا على أرض مشروع محطة الضبعة النووية. إذ أشار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، إلى مشاركة نحو 24 ألف مهندس وخبير وعامل مصري، يمثلون 80% من قوة المشروع، في تنفيذ محطة الضبعة. والأكثر أهمية، أن الخبرة المكتسبة لم تُقيد داخل حدود مصر، بل تجاوزت لتُطبق في محطات روسية ودولية أخرى. ما الذي يعنيه هذا التحول؟ كيف يستفيد الاقتصاد المصري من هذا التكامل؟ وما الأثر المستقبلي لعصر يُعاد فيه تعريف صناعة الطاقة النووية بحسب ملامح التعاون الدولي؟ هذا المقال يجيب عن كل الأسئلة.
تفاصيل ملموسة للتعاون.. من الضبعة إلى العالم النووي
تُضفي مشاركة 24 ألف مصري في مشروع الضبعة طابعًا تاريخيًا على فكرة استعانة روسيا بشركات مصرية:
- 15 شركة مقاولات مصرية تُشارك بفعالية في الأعمال المدنية والإنشائية.
- أكثر من 2000 من مهندسي هيئة المحطات النووية يشرفون على مراحل التصميم والرقابة.
- تقدير روسي رسمي أعرب عن الإعجاب بالكفاءة الفنية والتنفيذية المصرية.
بل إن روسيا باتت تدعو تلك الخبرة للمشاركة في مشاريع خارجية لم تكن ترتبط بالضبعة، ما يؤكد أن مصر انتقلت من دولة متلقية للحلول النووية إلى دولة مصدر قوى بشرية مؤهلة وموثوقة.
اقرأ أيضاً: رحيل العش للأهلي يشعل الانتقالات الصيفية.. ماذا يخطط الأحمر للنجم الشاب؟
ما وراء التكريم والدعوة المتجددة
بحسب مصادر مثل Rosatom Newsletter، فقد أبدى الجانب الروسي إشادة واضحة بأداء الكوادر المصرية خلال مشاركتهم في مشاريع مثل محطة لينينغراد II، وهو ما شجعهم على الاعتماد عليها في تغطية أعمال مدنية وفنية في محطات أخرى خارج الضبعة.
وهكذا صار التعاون وجهًا لوجه بين تقنية روسية وخبرة مصرية، في نوع من الشراكة التي تُفصح عن خطوات استراتيجية للمدى القائمة على تبادل الخبرات والتطوير المهني بين البلدين.
مقارنة إنتاج الضبعة والسد العالي
يشير مدبولي إلى أنّ الطاقة النووية الناتجة من الضبعة ستتجاوز ضعف الطاقة المنتجة من السد العالي، ما يعزز مفهوم استعانة روسيا بشركات مصرية بأنها تعمل على مشاريع تفوق مؤسسات الإنتاج التقليدي:
- السد العالي ينتج نحو 2.1 جيجاوات، بينما الضبعة (4×1.2 جيجا) تنتج 4.8 جيجا .
- محطة الضبعة تمثّل طاقة نظيفة ومستدامة تعمل بدون غاز أو بترول، ما يقلل الاعتماد الاستراتيجي على الطاقة الأحفورية.
هذا يؤسس لحقبة جديدة من الطاقة النووية المؤثرة في الاقتصاد الوطني ومليئة بالفرص للعاملين والشركات.
كيف تعود التكلفة على المواطن؟ تحليل اقتصادي واقعي
تكلفة المشروع يموّلها قرض روسي بملياري دولار (أي 85% من إجمالي 28.75 مليار دولار)، بفائدة 3% على 22 سنة . لكن الأهم هو:
- التشغيل الاقتصادي دون استيراد للفحم أو الغاز،
- إمكانية بيع الكهرباء الزائدة أو تصديرها،
- الاستفادة من التكنولوجيا النووية لأغراض صناعية مستقبلية.
الدراسة المالية أكدت أن التكلفة الاستثمارية ستُسترد بعد 10–15 سنة من الإنتاج المستمر، بمردود مجتمعي ضخم يدعم المنشآت الكبرى.
الوقوع في فخ الاعتماد.. تحديات مستقبلية
بينما تُمَكّن استعانة روسيا بشركات مصرية مصر من كسب خبرة عالمية، إلا أنّ الاعتماد على روسيا يُمثّل نوعًا من “الحضانة الخارجية” لنظام إنتاج نووي.
النقاد القلقون يشيرون إلى أن التمويل الروسي قد يُصبح وسيلة للضغط السياسي على مصر، خاصة مع دخول التحولات الدولية مثل الأزمة الأوكرانية.
هذا يدفع مصر بعد اكتمال الضبعة إلى التفكير في:
- تنويع الشركاء دولياً أوروبيًا وآسيويًا،
- توطين التكنولوجيا محليًا عبر مراكز تصنيع قطع المحطات داخل مصر.
هل بدأ عصر التصدير التقني المصري؟
بات واضحًا أن استعانة روسيا بشركات مصرية ليس عنوانًا مؤقتًا، بل محور مستقبل طبيعي:
- امتلاك سوق من 1.2 مليار شخص في أفريقيا والشرق الأوسط،
- تقنيات نووية مصرية قابلة للتصدير عبر جهود استخراج الخبرة من الضبعة،
- انتقال تدريجي من المستهلك إلى منتج وحرفي، بدلالة توقيع اتفاقات تعاون روسية مع جهات مثل مالي والجزائر في أفريقيا .
وهذا يعزز صورة مصر كمركز تقني نووي قادر على دعم دول الجوار والخط الإقليمي في مجالات الطاقة النظيفة.
دعوة المراقبين: إبقاء “استعانة روسيا” في وجهة الأمن النووي
من الضروري التركيز مستقبلاً على:
- تنويع مصادر التمويل والشركاء التقنيين لتقليل الاعتماد الروسي،
- تكثيف برامج التأهيل والتصنيع المحلي لبناء رؤية واسعة لاستدامة المشروع،
- توقيع اتفاقات تعاون فني دولية مع محور نفوذ مصري تقني للتحكم في سعر الطاقة والتكنولوجيا.
بهذا، يمكن أن تنتقل فكرة “استعانة روسيا بشركات مصرية” من مرحلة تقنية إلى أفق سياسي واقتصادي أبعد.
من تلقي الخبرة إلى قيادة التقنية النووية
باتت مصر تستشعر قدرة كبيرة على صياغة نهج نووي متوازن. المشاركة الوطنية في الضبعة تحوّلت إلى قاعدة لمشاركة مؤثرة في مشاريع روسية ودولية، وعبارة “استعانة روسيا بشركات مصرية” أصبحت تمثل تحدي ومكسب في آن واحد.
إذا طوّرت مصر شبكة خبراتها، واستقطبت شراكات دولية متنوعة، ستكون الضبعة انطلاقة حقيقية في تحوّل الدولة إلى مركز نووي إقليمي قادر على إنتاج، تشغيل، وتصدير الطاقة والتكنولوجيا النووية إلى الأسواق المجاورة.
اقرأ أيضًا: أحدث أسعار الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 تقفز بشكل ملحوظ