أعلن علاء فاروق، رئيس البنك الزراعي المصري، عن توجه الدولة نحو إحلال القمح محل البنجر في نحو 300 ألف فدان من الأراضي الزراعية، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي من السكر. هذا الإعلان يعكس تغيرًا استراتيجيًا في السياسة الزراعية في مصر، ويؤشر إلى تحولات اقتصادية وزراعية كبرى تستهدف دعم الأمن الغذائي المصري، وخاصة في ظل التحديات الدولية المتزايدة. القمح، باعتباره المحصول الأهم في حياة المصريين، يتصدر المشهد الزراعي والاقتصادي، ومن هنا تبرز أهمية هذا القرار وتأثيراته الواسعة.
خطة التحول من البنجر إلى القمح أهداف استراتيجية وطنية
مع إعلان الاكتفاء الذاتي من السكر، بدأت مصر في اتخاذ خطوات جدية لإعادة هيكلة توزيع محاصيلها الاستراتيجية. القمح يمثل أولوية قصوى نظراً لاعتماد البلاد الكبير عليه في الغذاء المدعوم. استبدال زراعة البنجر بالقمح في 300 ألف فدان ليس فقط قراراً زراعياً، بل هو خطة شاملة لتحقيق:
- تقليل فجوة الاستيراد من القمح، والتي تصل سنويًا إلى أكثر من 50% من احتياجات البلاد.
- رفع معدل الاكتفاء الذاتي من القمح من 55% إلى نحو 75% خلال السنوات الثلاث المقبلة.
- تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة التي تتحمل تكاليف ضخمة سنويًا لتوفير القمح المدعوم.
وفقًا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) لعام 2024، استوردت مصر نحو 11 مليون طن قمح، مما يجعلها أكبر مستورد عالمي لهذا المحصول. لذا فإن توجيه جزء كبير من المساحة المزروعة سابقًا ببنجر السكر لزراعة القمح قد يُحدث تحولًا حقيقيًا في ميزان الأمن الغذائي.
تأثير القرار على الأمن الغذائي المصري
القمح هو العمود الفقري للأمن الغذائي في مصر، حيث يدخل بشكل مباشر في إنتاج الخبز البلدي المدعوم، والذي يعتمد عليه أكثر من 70 مليون مواطن يوميًا. التوسع في زراعة القمح من شأنه أن:
- يقلل الاعتماد على الأسواق العالمية المعرضة للتقلبات بسبب النزاعات الدولية وتغير المناخ.
- يوفر استقرارًا في أسعار الخبز والدقيق المحلي.
- يفتح المجال أمام تطبيق منظومة الزراعة التعاقدية لضمان حقوق الفلاحين وتشجيعهم على زراعة القمح.
كما أشار تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) في يونيو 2025 إلى أن تقليل الاعتماد على استيراد الحبوب أصبح ضرورة ملحة لدول الشرق الأوسط، خاصة بعد اضطرابات سلاسل التوريد في البحر الأسود، التي تعد مصدرًا رئيسيًا للقمح المصري.
القمح المصري بين الجودة والتنافسية
رغم الاعتماد الكبير على القمح المستورد، فإن القمح المصري يتمتع بعدة مزايا أهمها:
- مقاومة عالية للأمراض والآفات.
- صلاحية ممتازة لموسم الزراعة الشتوي.
- جودة إنتاجية في مناطق مثل بني سويف والفيوم وكفر الشيخ.
وبحسب تصريح رئيس مركز البحوث الزراعية في مايو 2025، فإن مصر تعمل على إدخال أصناف محسنة من القمح ذات إنتاجية مرتفعة قد تصل إلى 24 إردبًا للفدان، مقارنة بمتوسط 18 إردبًا حاليًا.
أقرأ أيضًا: هل ينخفض سعر السلع في مصر؟ تأثير انخفاض معدل التضخم يُشعل التوقعات
التحديات المرتقبة في تنفيذ الخطة
رغم الفوائد الكبيرة، إلا أن التحول من البنجر إلى القمح في 300 ألف فدان يواجه عدة تحديات، منها:
- تأهيل التربة وتعديل أنظمة الري لتناسب احتياجات القمح.
- توفير التقاوي عالية الجودة بشكل كافٍ.
- التوسع في البنية التحتية لتخزين القمح، بما في ذلك الشون والصوامع الحديثة.
تقرير حديث للبنك الدولي صدر في يوليو 2025 أوصى بزيادة استثمارات البنية التحتية الزراعية في مصر، مع التركيز على سلاسل الإمداد الخاصة بالحبوب.
دور البنك الزراعي المصري في دعم المشروع
يلعب البنك الزراعي المصري دورًا محوريًا في تنفيذ خطة استبدال البنجر بالقمح، وذلك من خلال:
- تقديم تسهيلات تمويلية للفلاحين بفائدة ميسرة.
- إطلاق برامج إرشادية لرفع وعي المزارعين بفوائد التحول للقمح.
- دعم منظومة الزراعة التعاقدية مع الجهات السيادية لضمان استلام المحصول بأسعار عادلة.
كما كشف البنك عن خطة لتوفير قروض ميسرة تتجاوز 5 مليارات جنيه لمزارعي القمح خلال موسم 2025-2026، في إطار استراتيجية تحفيز الإنتاج المحلي.
مستقبل زراعة القمح في مصر طموحات وآفاق
مع مضاعفة الجهود الحكومية لدعم زراعة القمح، تبرز آفاق واعدة:
- تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100% بحلول عام 2030.
- إمكانية التصدير للأسواق المجاورة حال تحقيق فائض إنتاج.
- دمج تقنيات الزراعة الذكية مثل الأقمار الصناعية والاستشعار عن بعد لتحسين كفاءة الإنتاج.
وفي هذا السياق، أشاد تقرير صادر عن وكالة “بلومبيرغ” الاقتصادية بتاريخ 13 يوليو 2025 بالتحول المصري في استراتيجيات الزراعة، واعتبره نموذجًا يحتذى به لدول المنطقة.
في النهاية
تمثل خطوة إحلال القمح محل البنجر في 300 ألف فدان نقطة تحول بارزة في مسار الزراعة المصرية. القمح ليس مجرد محصول، بل هو شريان حياة وأداة استراتيجية لضمان أمن الدولة الغذائي. إن نجاح هذه الخطة يتوقف على تناغم جهود الدولة، ودعم القطاع المصرفي، وتفاعل المزارعين، وتطبيق أحدث التقنيات الزراعية.
أقرأ أيضُا: شراكة مصر وإسبانيا تتوسع في بروكسل وسط تطورات غزة والسودان.. هل تُرسم ملامح السلام؟