في عصر تتزايد فيه التحديات البيئية والاقتصادية، تبرز مبادرات مثل “جيل الأمل” كمحاولة واقعية ومؤثرة للتصدي لأزمة تغير المناخ، التي باتت تمثل تهديدًا مباشرًا للأطفال والمجتمعات الأكثر هشاشة. أطلقت هيئة إنقاذ الطفولة بالتعاون مع المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة حملة “جيل الأمل”، لتشكل خطوة متقدمة في دمج الأطفال، وخاصة ذوي الإعاقة، في العمل البيئي والتنمية المستدامة.
تسعى الحملة إلى تحويل الأزمة البيئية العالمية إلى فرصة لبناء جيل واعٍ، يشارك بفاعلية في حماية كوكب الأرض، ويواجه آثار تغير المناخ بشجاعة ومعرفة. لكن هل يمكن بالفعل أن يبدأ إنقاذ الأطفال وكوكب الأرض من هذه المبادرة؟ هذا ما نناقشه بالتفصيل في هذا المقال الغني بالمعلومات، الذي يستعرض سياقات الحملة وتحدياتها، ويستند إلى مصادر عربية وعالمية موثوقة.
الأطفال في قلب أزمة تغير المناخ العالمية
الأطفال هم أكثر من مجرد ضحايا صامتين لأزمة تغير المناخ. وفقًا لتقرير “اليونيسف” الصادر في يوليو 2025، فإن أكثر من مليار طفل حول العالم يتعرضون لأضرار مباشرة بسبب التغيرات المناخية، من موجات الحر الشديدة إلى الفيضانات والجفاف ونقص الغذاء. وهذا الرقم في تزايد مستمر، خاصة في مناطق الصراعات، والدول النامية.
تغير المناخ يؤثر على جودة الهواء الذي يتنفسه الأطفال، والمياه التي يشربونها، والطعام الذي يتناولونه، والتعليم الذي يتلقونه، وحتى على سلامتهم النفسية. ومع تسارع وتيرة الظواهر المناخية، تتضاعف المخاطر على الصحة العقلية للأطفال، خصوصًا أولئك الذين فقدوا منازلهم أو مجتمعاتهم بسبب الكوارث البيئية.
المبادرات مثل “جيل الأمل” تسعى إلى نقل الأطفال من خانة “الضحايا” إلى خانة “الفاعلين”، وهو ما يعتبر تحوّلًا جوهريًا في طريقة تعامل السياسات التنموية مع أزمة تغير المناخ.
العدالة المناخية تبدأ من دمج الأطفال ذوي الإعاقة
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يُقدّر عدد الأطفال ذوي الإعاقة في العالم بأكثر من 240 مليون طفل. هؤلاء الأطفال هم أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ نتيجة لتقاطع الإعاقات مع الفقر، والعزلة الاجتماعية، وقلة الوصول إلى الموارد.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن السياسات المناخية السابقة غالبًا ما تجاهلت احتياجات الأطفال ذوي الإعاقة، ما يجعل دمجهم في حملة “جيل الأمل” خطوة تاريخية نحو العدالة المناخية الشاملة.
الأنشطة الميدانية في الحملة، مثل ورش إعادة التدوير، والتشجير، والتعلم التفاعلي، تم تصميمها لتكون دامجة بالكامل، ما يسمح لهؤلاء الأطفال بالمشاركة، والتعبير، واقتراح حلول واقعية تتناسب مع تجاربهم. هذا يعزز من مفهوم المشاركة المجتمعية ويمنح الأطفال أدوات لقيادة التغيير.
من النظرية إلى الممارسة: كيف يصبح الوعي البيئي سلوكًا يوميًا؟
واحدة من أبرز أهداف حملة “جيل الأمل” هي ترجمة المعرفة البيئية إلى أفعال. وهذا ليس تحديًا بسيطًا، بل يتطلب استراتيجيات تربوية وتثقيفية متقدمة.
الدراسات الصادرة عن جامعة أكسفورد في 2025 تشير إلى أن التعليم البيئي إذا لم يقترن بتجربة عملية، لا يحقق نتائج ملموسة على المدى الطويل. ولهذا، يتم التركيز في “جيل الأمل” على التعلم بالتجربة، سواء من خلال زراعة نباتات، أو تصميم مشاريع إعادة التدوير، أو محاكاة حلول للتخفيف من تغير المناخ.
الأطفال المشاركون في الحملة يتعلمون كيف يحسبون البصمة الكربونية لأنشطتهم اليومية، ويتعرفون على طرق بسيطة لتقليلها. كما يحصلون على تدريبات في المهارات الخضراء مثل: صناعة السماد الطبيعي، تجميع مياه الأمطار، وصناعة أدوات مدرسية من المواد المعاد تدويرها.
أقرًا أيضًا: فوازير وحلها 2025: أقوى مجموعة فوازير مضحكة وصعبة وذكية لجميع الأعمار
تحالفات محلية ودولية لتعزيز استجابة الأطفال لأزمة المناخ
تتميز حملة “جيل الأمل” بأنها لم تُبْنَ فقط على تعاون محلي، بل ترتبط أيضًا بشبكة منظمات دولية تدعم الابتكار الاجتماعي والمناخي. فوفقًا لمصادر من مكتب هيئة إنقاذ الطفولة في لندن، فإن الحملة المصرية تُعد جزءًا من برنامج أوسع يُنفذ في 12 دولة، يهدف إلى تمكين الأطفال من المساهمة في الخطط الوطنية لمكافحة تغير المناخ.
ويجري حاليًا التنسيق بين الهيئة ومنظمة “Climate Reality Project” التي أسسها آل غور، لتبادل الخبرات وتنظيم منتدى إقليمي للأطفال من مختلف البلدان العربية في أكتوبر 2025.
كما تُعد مصر من الدول الموقعة على “بيان الأمم المتحدة حول الأطفال وتغير المناخ”، وهو التزام سياسي يعزز من استثمار الدولة في مبادرات كهذه، ويوفر إطارًا تشريعيًا داعمًا يضمن استمرارية العمل.
دور التكنولوجيا في تمكين الأطفال لمواجهة تغير المناخ
من أبرز مكونات حملة “جيل الأمل” في 2025، هو الاعتماد على التكنولوجيا كأداة للتوعية والتمكين. فقد أطلقت الهيئة بالتعاون مع مطورين محليين تطبيقًا تفاعليًا للأطفال يحمل اسم “أبطال المناخ”، يتيح لهم تنفيذ تحديات بيئية يومية، ومتابعة تقدمهم، ومشاركة قصص نجاحهم مع أقرانهم.
التطبيق يحتوي على محتوى صوتي ومرئي مخصص للأطفال ذوي الإعاقة البصرية والسمعية، ما يجعله أداة دامجة بالكامل، ومتاحة على الهواتف الذكية منخفضة المواصفات لتسهيل استخدامها في المناطق الريفية.
كما تستفيد الحملة من الواقع المعزز (AR) في بعض ورش العمل، لتقديم تجارب تعليمية حول ذوبان الجليد، وارتفاع منسوب البحار، واحتباس الغازات الدفيئة، ما يجعل مفاهيم تغير المناخ أكثر وضوحًا وتأثيرًا على الأطفال.
من التوصيات إلى السياسات: هل يسمع صانع القرار صوت الأطفال؟
واحدة من الرهانات الكبرى في حملة “جيل الأمل” هي ضمان أن تتحول أفكار وتوصيات الأطفال إلى مواد تؤثر فعليًا في السياسات العامة. ولهذا، تعمل الهيئة بالتعاون مع وزارات البيئة والتعليم والشباب على تنظيم جلسات استماع برلمانية يشارك فيها الأطفال بمداخلاتهم وتجاربهم.
وفي ضوء التزامات مصر بأهداف التنمية المستدامة، وخاصة الهدف 13 المتعلق بالإجراءات المناخية، تسعى الحملة إلى الضغط نحو إدماج منظور الطفولة في استراتيجيات التكيف المناخي وخطط الإنفاق البيئي.
بحسب تقرير المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية الصادر هذا الشهر، فإن الدول التي تدمج صوت الطفل في سياساتها المناخية تحقق نتائج أسرع في نشر الوعي المجتمعي، كما ترتفع معدلات الالتزام المجتمعي بالقرارات البيئية.
في النهاية
حملة “جيل الأمل” لا تمثل مجرد مبادرة موسمية أو نشاط علاقات عامة، بل هي رهان على المستقبل، واستثمار في وعي الأطفال، واعتراف بقدرتهم على إحداث تغيير حقيقي في مواجهة تغير المناخ.
في ظل الأزمات البيئية والاقتصادية المتفاقمة، نحتاج إلى ما هو أكثر من الحلول الحكومية، نحتاج إلى جيل يعرف، يفكر، ويتصرف. “جيل الأمل” ليس فقط عنوان حملة، بل هو احتمال حقيقي لإنقاذ ما تبقى من كوكب يتغير بسرعة مرعبة، وأجيال قادمة تستحق أن ترث أرضًا أكثر عدلًا وبيئة أكثر أمانًا.
أقرًا أيضًا: هل تُغير قائمة المرشحين لمجلس الشيوخ ملامح الانتخابات المقبلة؟