تتصدر تطورات غزة المشهد السياسي الإقليمي والدولي، وسط تحركات دبلوماسية مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية. في هذا السياق، جاء لقاء وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في بروكسل، ليعيد التأكيد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين مصر وإسبانيا، ويوسع مساحات التوافق حول قضايا ملحة مثل تطورات غزة والأزمة السودانية. يشير هذا الاجتماع إلى تحول في طبيعة العلاقات الأوروبية المتوسطية، ويطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ملامح سلام إقليمي جديد تتشكل.
ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين مصر وإسبانيا
شهدت العلاقات بين مصر وإسبانيا تطورًا نوعيًا منذ زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى مدريد في فبراير الماضي، حيث أُعلن خلالها عن رفع مستوى العلاقات إلى شراكة استراتيجية شاملة. وتمثل هذه الشراكة نقلة مهمة في التعاون الثنائي، لا سيما في مجالات الطاقة المتجددة، والتعليم، والسياحة، والتكنولوجيا، والزراعة، فضلاً عن التنسيق السياسي في القضايا الإقليمية.
في لقاء بروكسل، ناقش الوزيران آليات تفعيل الاتفاقيات الموقعة، وسُبل الاستفادة من الدعم الأوروبي لمصر، خاصة بعد اعتماد الشريحة الثانية من حزمة الدعم المالي بقيمة 4 مليارات يورو. كما رحبت إسبانيا بدور مصر كمحور إقليمي فاعل في قضايا الأمن والاستقرار، مؤكدة التزامها بتعزيز التعاون التنموي ودعم الاقتصاد المصري.
تطورات غزة محور اهتمام أوروبي مصري
تتزامن هذه التحركات مع تصاعد تطورات غزة، حيث تستمر الجهود المصرية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ومنع تهجير السكان الفلسطينيين من القطاع. وأعلنت القاهرة مؤخراً عن عقد مؤتمر دولي في العاصمة المصرية لدعم جهود التعافي المبكر وإعادة الإعمار في غزة، بمشاركة دولية واسعة.
تدعم إسبانيا هذه الجهود بشكل واضح، وتطالب بوقف شامل لإطلاق النار وعودة المسار التفاوضي وفقًا لقرارات الشرعية الدولية. كما أعادت مدريد تأكيدها على ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى سكان القطاع، وهي مواقف تنسجم مع الرؤية المصرية الرامية إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق حل الدولتين.
أقرًأ أيضًأ: هل ينخفض سعر السلع في مصر؟ تأثير انخفاض معدل التضخم يُشعل التوقعات
السودان في دائرة الاهتمام الدبلوماسي
لم تغب الأزمة السودانية عن طاولة الحوار بين الوزيرين، حيث شدد عبد العاطي على أهمية وقف إطلاق النار في السودان، والحفاظ على وحدة البلاد ومؤسساتها الوطنية. وأشار إلى تنسيق مصر مع الأطراف الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار، في ظل تصاعد العنف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
تدعم إسبانيا، من جانبها، جهود الوساطة التي تقودها مصر والاتحاد الأفريقي، مؤكدة ضرورة الحفاظ على البنية المؤسسية للدولة السودانية، وتقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى المناطق المتضررة، خصوصًا دارفور والخرطوم.
الاتحاد الأوروبي ومبادرات المتوسط.. دور متجدد
عُقد الاجتماع الوزاري الخامس بين الاتحاد الأوروبي ودول الجوار الجنوبي تحت عنوان “ميثاق المتوسط”، وهو إطار جديد يسعى لتعزيز التعاون في مجالات التنمية والطاقة والمناخ ومكافحة الهجرة غير الشرعية. وكان اللقاء بين الوزيرين المصري والإسباني ضمن هذا الحدث، مما أضفى بعدًا أوروبيًا على المشاورات الثنائية.
ناقش الوزيران سبل تفعيل هذا الميثاق في ضوء التحديات المتفاقمة، وعلى رأسها تطورات غزة، وأزمات الأمن الغذائي، والتغير المناخي، والهجرة. وأكد الطرفان أن التعاون في المتوسط لا يجب أن يكون مقتصرًا على الدعم الاقتصادي فقط، بل يجب أن يشمل شراكات سياسية وإنسانية حقيقية.
مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار غزة تحركات مصرية مدروسة
في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، تسعى القاهرة لتنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، بمشاركة الأمم المتحدة وعدة أطراف مانحة. ويُتوقع أن يعقد المؤتمر خلال الربع الثالث من عام 2025، حيث تعمل مصر على حشد الدعم السياسي والمالي لضمان تعافي القطاع بأسرع وقت ممكن.
وتتضمن التحضيرات مقترحات لتطوير البنية التحتية، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات، وتنفيذ مشروعات مياه وكهرباء، إلى جانب إطلاق مبادرات لدعم المجتمع المدني وتمكين المرأة والشباب في غزة. ويمثل هذا المؤتمر امتدادًا للتحركات المصرية السابقة بعد حرب 2021، والتي نجحت في جذب تمويلات تتجاوز 500 مليون دولار.
مستقبل الشراكة المصرية الأوروبية في ظل الأزمات الإقليمية
يبدو أن الشراكة المصرية الأوروبية تتجه نحو مزيد من العمق والتنسيق، خصوصًا مع استمرار الأزمات في غزة والسودان وليبيا. وتراهن أوروبا على الدور المصري باعتباره عنصر توازن واستقرار في المنطقة، في حين ترى القاهرة في التعاون الأوروبي رافعة اقتصادية ودبلوماسية أساسية.
ومن المنتظر أن تشهد الفترة القادمة زيارات متبادلة على مستوى وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد، إلى جانب إطلاق لجان مشتركة لتقييم تنفيذ الاتفاقات. وتستعد مصر كذلك لتقديم رؤية شاملة حول دعم الاستقرار الإقليمي خلال القمة الأوروبية المتوسطية القادمة، التي ستُعقد في أثينا.
في النهاية
في ظل تطورات غزة واستمرار النزاعات في المنطقة، تُمثل الشراكة المصرية الإسبانية نقطة ارتكاز رئيسية في إعادة رسم ملامح السياسة الإقليمية. وبفضل التوافق السياسي والدبلوماسي بين القاهرة ومدريد، تبدو فرص بناء مسار سلمي شامل أكثر واقعية من أي وقت مضى. ويبقى السؤال: هل تكون بروكسل بداية لحقبة جديدة من الاستقرار؟
أقرًا أيضًأ: هل يصبح أحمد عبد القادر صفقة القرن في الزمالك بعد تحذيرات نادر السيد من هذا المركز؟