في خضم التحديات المتصاعدة التي تواجه منطقة القرن الإفريقي، وتزايد الأطماع الإقليمية والدولية في البحر الأحمر، شهدت مدينة العلمين الجديدة قمة استراتيجية جمعت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود. هذه القمة لم تكن مجرد زيارة دبلوماسية بروتوكولية، بل تمخضت عنها رؤية متكاملة وشاملة لتعزيز الأمن الإقليمي عبر شراكة ممتدة تتجاوز الأبعاد الثنائية، لتشمل الأمن البحري، والاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، في واحدة من أكثر المناطق الجغرافية حساسية على مستوى العالم.
ما يميز هذه الشراكة هو التركيز غير المسبوق على أمن البحر الأحمر، الذي بات مسرحًا حيويًا للتنافس الجيوسياسي بين قوى إقليمية ودولية، خاصة مع تصاعد التهديدات المرتبطة بالقرصنة، وتهريب السلاح، والأنشطة العسكرية غير المشروعة. في هذا السياق، تبدو مصر والصومال عازمتين على ترسيخ دورهما كضامنين لاستقرار هذا الممر البحري الحيوي.
خلفية استراتيجية حول موقع البحر الأحمر وأهميته الجيوسياسية
يمتد البحر الأحمر بطول 2,300 كيلومتر، ويربط بين البحر المتوسط والمحيط الهندي عبر قناة السويس، مما يجعله من أهم الممرات البحرية على مستوى العالم. يمر عبره ما يقرب من 10% من التجارة العالمية، وأكثر من 21 ألف سفينة سنويًا، حسب بيانات منظمة التجارة البحرية الدولية (IMO).
المنطقة المطلة على البحر الأحمر تضم عددًا من الدول ذات التوجهات السياسية المختلفة، مما يعقد إدارة الأمن البحري في المنطقة. وتواجه دوله، خاصة الصومال واليمن، تحديات كبيرة مثل الإرهاب، والصراعات المسلحة، والنزاعات القبلية، وهو ما ينعكس مباشرة على أمن البحر الأحمر.
الشراكة المصرية الصومالية: دوافع التعاون وأهدافه الأمنية
يعكس التعاون المصري الصومالي المستجد رغبة مشتركة في صياغة مقاربة أمنية إقليمية مستقلة، تنبع من مصالح دول المنطقة، بعيدًا عن الهيمنة الخارجية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في الدعم المصري للصومال، لا سيما في مجالات التدريب العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في مكافحة الإرهاب.
وبحسب تقارير نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية الإفريقي، فإن مصر ساهمت منذ 2022 في تقديم برامج تدريبية لنحو 400 من أفراد الجيش والشرطة الصوماليين، ضمن جهود دعم بناء مؤسسات الدولة. كما تستضيف القاهرة اجتماعات دورية لوزراء دفاع دول البحر الأحمر وخليج عدن، ما يعزز من مكانتها كمركز تنسيق إقليمي للأمن البحري.
تحديات أمن البحر الأحمر في ظل التحولات الإقليمية والدولية
رغم الجهود المبذولة، تبقى التحديات جسيمة. فالوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر، خاصة من قبل الصين، وتركيا، وإيران، يثير قلقًا متزايدًا لدى الدول العربية المطلة عليه. كما أن التوترات في اليمن، واستمرار تهديدات الحوثيين للملاحة، تضيف طبقات من التعقيد للأوضاع.
وفي هذا السياق، حذرت تقارير الأمم المتحدة من تصاعد عمليات تهريب السلاح عبر السواحل الصومالية، وتزايد نشاط الميليشيات المسلحة في بعض المناطق الساحلية. وقدرت تقارير حديثة في 2024 أن نحو 22% من عمليات تهريب الأسلحة في القرن الإفريقي تمر عبر موانئ غير خاضعة للرقابة.
أقرًا أيضًا: الحكومة تتجه لتغليظ العقوبات على السائقين متعاطي المخدرات بعد تكرار الحوادث
انعكاسات التعاون المصري الصومالي على الاستقرار الإقليمي
التحالف الجديد بين مصر والصومال يحمل إمكانية كبيرة لتغيير قواعد اللعبة الأمنية في المنطقة. فمن خلال تبادل المعلومات والتنسيق العملياتي، يمكن لكلا الدولتين إحباط تحركات المجموعات الإرهابية والمهربين، وتأمين الممرات الحيوية في البحر الأحمر.
كما أن التوافق السياسي يدعم جهود الوساطة في نزاعات القرن الإفريقي، لا سيما ما يتعلق بالتوترات بين إثيوبيا والصومال حول إقليم “أرض الصومال”، إذ تدعم مصر موقف مقديشو الرافض لمحاولات أديس أبابا التمدد البحري غير المشروع.
دعم اقتصادي ولوجستي مصاحب للشراكة الأمنية
إلى جانب البعد الأمني، اتفقت القاهرة ومقديشو على إطلاق برامج تنموية مشتركة، خاصة في مجالات البنية التحتية، والتعليم، والطاقة. وأكد تقرير للبنك الإفريقي للتنمية أن مصر تقدمت بعرض لتمويل مشروع تطوير موانئ صومالية استراتيجية تطل على البحر الأحمر، بتمويل مشترك مع شركاء عرب.
كما يجري بحث إنشاء خط ملاحي مباشر بين موانئ بورسعيد ومقديشو، مما سيسهم في دعم التجارة البينية، وتوفير فرص عمل، وتعزيز الحضور المصري في شرق إفريقيا.
الدور الإقليمي والدولي لمصر في تأمين البحر الأحمر
تُعد مصر من الدول المؤسسة لـ”مجلس الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن”، الذي انطلق رسميًا في 2020. ومن خلال هذا المجلس، تسعى القاهرة إلى بناء رؤية جماعية لإدارة الأمن البحري، تشمل تبادل البيانات الاستخباراتية، وتنسيق الدوريات البحرية، وفرض الرقابة على الموانئ المشبوهة.
وقد أعلنت مصر مؤخرًا عن شراء فرقاطات بحرية جديدة وتعزيز أسطولها الجنوبي في البحر الأحمر، بالتوازي مع اتفاقيات تبادل معلومات استخباراتية مع السعودية والسودان وجيبوتي.
أبرز محاور التعاون المصري الصومالي وتأثيرها على البحر الأحمر
المجال | أبرز النقاط |
---|---|
الأمن البحري | دوريات مشتركة، مراقبة الموانئ، مكافحة التهريب والقرصنة |
التدريب العسكري | تدريب 400 جندي وضابط صومالي حتى 2024 |
البنية التحتية | مشروعات لتطوير الموانئ وربطها بمصر بخطوط ملاحية مباشرة |
المعلومات الاستخباراتية | تبادل البيانات حول المجموعات المسلحة والتهديدات الإقليمية |
التنسيق السياسي | دعم مصر لموقف الصومال في نزاع “أرض الصومال” ضد التمدد الإثيوبي |
الاستثمار والطاقة | مشروعات مشتركة للطاقة الشمسية والبنية التحتية في الساحل الصومالي |
في النهاية
يمثل التوافق المصري الصومالي نقلة نوعية في التعامل مع معضلة الأمن في البحر الأحمر، ويعكس إدراكًا متزايدًا لدى دول المنطقة لأهمية توحيد الصفوف في مواجهة التحديات الجيوسياسية. فمع تصاعد المخاطر وتنوعها، بات من الضروري صياغة شراكات استراتيجية واقعية وقادرة على التأثير، وهو ما بدأت مصر والصومال في وضع أسسه فعليًا. وتبقى الأيام القادمة حاسمة في تحديد مدى قدرة هذا التحالف على ترجمة طموحاته إلى إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
أقرًا أيضًا: سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الإثنين 7 يوليو 2025