في خطوة جديدة تؤكد تقدم مصر في قطاع الطاقة، أعلن قطاع البترول المصري عن إتمام حفر بئر “ظهر 6” بنجاح ضمن حقل ظهر العملاق، ما أدى إلى إضافة 60 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي إلى شبكة الإنتاج القومي. تأتي هذه التطورات في وقت حساس إقليميًا وعالميًا، حيث يرتفع الطلب على الغاز، وتسعى مصر لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة. وتُعد هذه الزيادة الإنتاجية دليلاً حيًا على نجاح الشراكة المصرية الإيطالية ممثلة في التعاون مع شركة “إيني”، وعلى كفاءة خطة التنمية المعتمدة للحقل والتي بدأت تؤتي ثمارها سريعًا.
موقع استراتيجي وأهمية جيوسياسية تتنامى
يُعد حقل ظهر من أكبر اكتشافات الغاز في البحر المتوسط، وتم اكتشافه في عام 2015. يقع الحقل في المنطقة الاقتصادية الخاصة بمصر على عمق نحو 1,500 متر تحت سطح البحر، وتُقدر احتياطاته بنحو 30 تريليون قدم مكعب من الغاز. ومنذ بدء الإنتاج في ديسمبر 2017، أصبح الحقل ركيزة أساسية في استراتيجية مصر لتأمين احتياجاتها من الطاقة وتصدير الفائض.
تزايدت أهمية حقل ظهر في ظل الأزمات العالمية المرتبطة بإمدادات الطاقة، مما جعل أوروبا تعتمد جزئيًا على الغاز المصري كمصدر بديل. كما أسهم الحقل في تقليص واردات الغاز المسال، وحقق لمصر اكتفاءً شبه ذاتي خلال السنوات الأخيرة.
تفاصيل تقنية عن حفر بئر “ظهر 6” والإنجازات المرتبطة به
بدأت أعمال إعادة حفر بئر “ظهر 6” في يناير 2025 باستخدام الحفار المتطور “سايبم 10000″، والذي يتميز بقدرة عالية على الحفر في المياه العميقة ومعالجة التكوينات الجيولوجية المعقدة. نجحت العملية خلال أسابيع في الوصول إلى عمق الإنتاج، وتم تثبيت البئر وفقًا لمعايير السلامة العالمية، مما مهد لبدء الإنتاج الفوري.
تمثل هذه العملية مثالاً لتقنيات الحفر الحديثة، حيث تم استخدام أجهزة الاستشعار الذكية ونظام القياس أثناء الحفر (MWD)، ما سمح بتفادي المخاطر التشغيلية وتحقيق إنتاجية مرتفعة دون تأخير. كما تم اعتماد منهجية تحليل البيانات الزلزالية الحية لتحديد الطبقات المثلى لاستخراج الغاز.
مستقبل واعد مع بئر “ظهر 13”
بعد إتمام أعمال “ظهر 6″، بدأ جهاز الحفر “سايبم 10000” في حفر بئر جديد يُدعى “ظهر 13”. تشير التقديرات الفنية إلى أن هذا البئر قادر على إنتاج نحو 55 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا عند اكتماله. ويُعد ذلك استكمالًا لخطة التنمية المرحلية لحقل ظهر، والتي تشمل 20 بئرًا تم تنفيذ معظمها، في حين يجري العمل على المتبقي منها وفقًا لأولويات الإنتاج والتكلفة.
اسم البئر | حالة التشغيل | التقدير الإنتاجي اليومي (مليون قدم مكعب) |
---|---|---|
ظهر 6 | نشط | 60 |
ظهر 13 | تحت الحفر | 55 |
ظهر 10 | قيد التشغيل | 48 |
يعزز هذا التوسع ثقة المستثمرين والشركاء الأجانب في استدامة الحقل، ويؤكد التزام مصر بتعزيز إنتاج الغاز الطبيعي محليًا وخارجيًا.
اقرأ ايضا: الاستثمار بالسوق المصري يخطف أنظار 6 شركات صينية في لقاءات استراتيجية مع الخطيب
الشراكة مع شركة “إيني” الإيطالية
شركة “إيني” تُعد شريكًا محوريًا في تطوير حقل ظهر، وهي من أوائل الشركات التي راهنت على فرص الغاز في شرق المتوسط. عملت الشركة على توفير تقنيات متطورة في مجال الحفر، ونقل الخبرات إلى الكوادر المصرية العاملة في المشروع. كما وقّعت الشركة عدة اتفاقيات مع الحكومة المصرية تضمن استمرار الاستثمار طويل الأجل في الحقل.
تشير تقارير شركة “إيني” إلى أن التعاون في حقل ظهر شكّل نموذجًا يُحتذى به للشراكات بين الحكومات والشركات العالمية، خاصة في بيئات التشغيل البحرية المعقدة. وذكرت الشركة أن المرحلة القادمة ستشهد ضخ استثمارات إضافية في تحديث محطات المعالجة وتوسيع شبكة الأنابيب البحرية لنقل الغاز.
الأثر الاقتصادي لإنتاج حقل ظهر على السوق المصري
ساهم حقل ظهر في تحسن كبير في ميزان مدفوعات الطاقة المصري، خاصة بعد تقليص الاعتماد على الغاز المستورد وتحويل مصر إلى مصدر صافي للغاز المسال. كما أدت الوفرة الإنتاجية إلى استقرار أسعار الطاقة محليًا، ودعمت الصناعات التي تعتمد على الغاز كمصدر للطاقة، مثل الأسمنت والبتروكيماويات.
تشير بيانات وزارة البترول إلى أن صادرات الغاز الطبيعي المسال تجاوزت 8 مليار دولار في عام 2024، كان لحقل ظهر نصيبٌ كبيرٌ منها. وتُقدَّر مساهمة ظهر وحده بـ42% من إجمالي إنتاج الغاز المصري اليومي، مما يجعل هذا الحقل دعامة اقتصادية واستراتيجية من الدرجة الأولى.
التحديات والفرص المستقبلية أمام حقل ظهر
رغم النجاحات المتحققة، يواجه المشروع تحديات تتعلق بالاستدامة البيئية، وتقلبات أسعار الطاقة العالمية، وحاجة السوق المحلي المستمرة للتوسع. كما أن الحفر في أعماق البحر المتوسط يستدعي تكلفة تشغيلية مرتفعة، تتطلب إدارة فعالة.
إلا أن الفرص الواعدة تتزايد أيضًا، خصوصًا مع اقتراب إنشاء شبكة إقليمية موحدة للغاز بين مصر، اليونان، وقبرص، وهو ما يمنح حقل ظهر فرصة لتوسيع نطاق تصديره لأوروبا.
تُخطط مصر أيضًا لإطلاق مشروعات لتحويل الغاز إلى مشتقات صناعية عالية القيمة، وهو ما يعزز العائد الاقتصادي من الغاز الطبيعي، ويُوظف الطاقة الوطنية بشكل أكثر فاعلية.
في النهاية
يثبت حقل ظهر يومًا بعد يوم أنه أكثر من مجرد اكتشاف غاز، بل هو قصة تطور ونجاح صناعي في قلب البحر المتوسط. ومع كل بئر جديدة تُحفر، تترسخ مكانة مصر على خريطة الطاقة العالمية، وتزداد فرص النمو المستدام. وتبقى الخطوة المقبلة هي الحفاظ على هذه الوتيرة، واستغلال كل قدم مكعب من الغاز لتعزيز الأمن القومي ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.
اقرأ ايضا: الأوقاف تبدأ توزيع 50 طن لحوم أضاحي بمناسبة العام الهجري الجديد