اختارت كازاخستان، وتحديدًا مدينة ألماتي، أن تلعب دورًا محوريًا في نشر التعايش الديني بإجراء استضافة مائدة حكماء المسلمين، أحد مشاريع الدبلوماسية الروحية التي أسسها مجلس حكماء المسلمين فرع آسيا الوسطى. يأتي هذا الحدث في سياق متنامٍ من الجهود الدولية التي تشهدها البلاد على صعيد الحوار بين الأديان والتراث الثقافي، ليؤكد مرة أخرى على موقع كازاخستان كحلقة وصل بين العواصم الفكرية العالمية وواحدة من أكثر الدول تسامحًا دينيًا وإثنيًا في آسيا الوسطى.
ميزة كازاخستان كنموذج للتعايش
تُعد كازاخستان دولة متعددة الأديان، حيث يشكل المسلمون نحو 69% من السكان، بينما يصل المسيحيون الذين ينتمون للطوائف الأرثوذكسية والإنجيلية إلى نحو 17%. وقد أسهم تاريخ البلاد الجيواقتصادي والثقافي في تعزيز نموذج “الوحدة في التنوع”. فالسنوات الثلاث الأخيرة، شهدت تصاعدًا في مبادرات الحوار بين الأديان مثل مؤتمر قادة الأديان العالميين في أستانا بحضور قادة كبار من مختلف الأديان.
هذا السياق جعل من استضافة مائدة حكماء المسلمين لحظة استراتيجية، عززت مكانة كازاخستان كقوة معتدلة تقدم تجربة حيّة في بناء السلام الاجتماعي، وتعزز من ثقافة الحوار بين المسلمين وغير المسلمين، بما يشبه نموذجًا عمليًا للمحافظة على التراث والسلام العالمي.
اقرأ ايضاً: الاستثمار بالسوق المصري يخطف أنظار 6 شركات صينية في لقاءات استراتيجية مع الخطيب
فكرة المائدة الدولية وفعالياتها الاستثنائية
أقيمت المائدة الدولية في ألماتي يومي 25 و26 يونيو من العام الجاري، تحت عنوان “الدبلوماسية الروحية والحفاظ على التراث المقدس للأديان”، بتنظيم من مجلس حكماء المسلمين فرع آسيا الوسطى، بالتعاون مع المركز الدولي للحوار بين الأديان والحضارات، وجامعة نور مبارك المصرية.
تميزت الفعاليات بجلسات وورش عمل شملت:
- تقديم استراتيجيات لترميم مخطوطات نادرة، بما في ذلك مبادرة لترميم نسخة قرآنية تعود للقرن الثاني عشر.
- حلقات نقاش بعنوان “الدبلوماسية الروحية ودور الأديان في بناء الثقة المتبادلة”، قدمها خبراء من مصر وفرنسا وأوزبكستان.
- اختتمت بإعلان مشترك يؤكد التزام المشاركين بحماية التراث والتعايش بين الأديان.
من أبرز المشاركين: دارخان كديرالي، باويرجان باكيروف، الدكتور أحمد حسين، والباحثة الفرنسية إليونور سيلارد.
جهود الترميم: واجب علمي وروحي
خلال المائدة، تعمق الخبراء في مناقشة كيفية توظيف أحدث الأساليب الأكاديمية والتقنية في ترميم المخطوطات، خاصة الإسلامية والقرآنية التاريخية. عرضت جامعة الأزهر نموذجًا عمليًا من خلال جولة للمشاركين على مجموعة مخطوطات نادرة.
حاول المشاركون إيجاد إطار مشترك لترميم المخطوطات بما يراعي الحساسية الدينية. وغالبًا مثل هذه المبادرات تُسهم في بناء جسور بين علماء المسلمين والمختصين الأوروبيين، لا سيّما إذا ماتمثلّت في أولويات الثقافة الإقليمية مثل ترميم مخطوطة قرآنية ثمينة.
تعزيز الدبلوماسية الروحية وتعميق الحوار
أسست المائدة قاعدة تعاون حقيقية، تعكس رغبة المؤسسات المشاركة في استخدام الدبلوماسية الروحية كأداة ملموسة لتعزيز الثقة والتعايش. إذ اعتبر الإعلان الختامي أن الحوار بين الدين والعلم والتراث ليس خيارًا تحسيسيًا، بل ضرورة لصيانة السلام الاجتماعي في العالم المعاصر.
في هذا الإطار، تُسجّل استضافة مائدة حكماء المسلمين كمنهجية فعّالة وتطبيقية للطروحات النظرية السابقة، حيث تجاوزت حدود الكلام إلى الفعل والالتزام المشترك، بوصفها إطارًا عالميًا لرؤية مشتركة بين الشرق والغرب.
مقارنة مع فعاليات كبرى سابقة
الحدث | الموقع | الموضوع الرئيسي | نوع النتائج |
---|---|---|---|
مؤتمر قادة الأديان في أستانا | أستانا | الحوار بين العالمية والتقليدية | إعلان مشترك |
مائدة الحكماء في ألماتي | ألماتي (جديدة) | ترميم المخطوطات والدبلوماسية الروحية | خطة مشتركة |
ورشة “ليفرالغلوب” الدينية | Назарбаев | تعزيز تراث الأديان | مذكرات تفاهم |
الفرق يكمن في مركزية النقاش حول التراث المقدس وتطبيق أدوات عملية، بخلاف فعاليات سابقة اقتصرت على توجيه رسائل عامة في تعزيز التسامح.
الأثر الإقليمي والدولي
تحمل استضافة مائدة حكماء المسلمين أهمية أوسع من حدود كازاخستان؛ فهي تنقل رسائل قوية للدول المجاورة—أوزبكستان، قيرغيزستان، وطاجيكستان—تؤكد فيها أن تعزيز السلام الديني ممكن بالتعاون بين المؤسسات الدينية والأكاديمية.
عمومًا، يشير المحللون إلى أن كازاخستان تتحول إلى مركز إقليمي للحوار بين الأديان، وهو ما يعكسه مشروع التوسعات المقبلة لمركز حوار في ألماتي، يضيف إلى شبكة الحوار الجاري في أستانا، ليقدم نموذج نقل المعرفة بين مسلمي آسيا الوسطى والعالم الإسلامي بأسره.
خلاصات استراتيجية وتطلعات المستقبل
ختمت المائدة الدولية بإعلان التزام بالمزيد من المبادرات لبناء بنية تحتية دبلوماسية روحية قوية، تشمل:
- ثقافة مشتركة ترمم تراث الأديان.
- توسيع قاعدة المشاركين لتشمل بيئات متعددة جنسيًا.
- تأسيس برامج تدريب لمختصين في حساسية التراث والرموز الدينية.
في هذا السياق، تبدو استضافة مائدة حكماء المسلمين محطة محورية، تظهر كازاخستان كسفيرة للتعايش الديني في قلب آسيا الوسطى، وتبني ممارسة جديدة تعتمد على الدبلوماسية الروحية بوصفها محركًا للعطاء وللجسور بين المعتقدات المتعددة.
خاتمة: كازاخستان تدشن عصرًا جديدًا للتعايش
مع انتهاء الحوار الدولي في ألماتي، أصبحت كازاخستان أكثر من مجرد نموذج ثقافي؛ بل منصة حوارية متطورة، حيث تُحقّق استضافة مائدة حكماء المسلمين رؤية جديدة لعصر يتطلب توازنًا بين المحافظة على المقدس والانفتاح على الآخر. مستقبل هذه المبادرة يعتمد على قدرة الدول على تحويل توصيات هذه المائدة إلى برامج تعليمية ومنهجية عمل دائم.
اقرأ ايضاً: الأوقاف تبدأ توزيع 50 طن لحوم أضاحي بمناسبة العام الهجري الجديد