في خطوة تعكس جدية الحكومة المصرية في جذب استثمارات أجنبية نوعية، عقد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، سلسلة لقاءات رفيعة المستوى مع رؤساء ومسؤولي 6 شركات صينية كبرى في مدينة شنغهاي. تأتي هذه اللقاءات في إطار استراتيجية موسعة لتعزيز الاستثمار بالسوق المصري، عبر الترويج لمقومات مصر التنافسية، والمبادرات الحكومية الطموحة لتطوير بيئة الأعمال.
ما يميز هذه التحركات أنها لا تقتصر على استقطاب التمويل فحسب، بل تشمل توطين الصناعات، نقل التكنولوجيا، وتعزيز سلاسل التوريد الإقليمية. في هذا السياق، نسلط الضوء على طبيعة الاستثمارات المقترحة، القطاعات المستهدفة، والمكاسب المتوقعة من هذه الشراكات.
خطط صينية جديدة في قطاعات النسيج والملابس الجاهزة
قطاع النسيج يأتي في طليعة القطاعات التي جذبت أنظار الشركات الصينية، لما يوفره من فرص تشغيلية وصناعية مربحة في مصر. أعلنت شركتا تشجيانغ القابضة وجيانغسو هيت عن رغبتهما في إنشاء مصانع للنسيج باستثمارات أولية تتجاوز 40 مليون دولار.
- شركة تشجيانغ القابضة تخطط لضخ 20 مليون دولار مبدئياً مع نية التوسع إلى 50 مليون خلال خمس سنوات.
- شركة جيانغسو هيت تهدف لتوجيه الإنتاج للأسواق الأوروبية والأمريكية، مستفيدة من اتفاقيات التجارة الحرة بين مصر وتكتلات مثل الاتحاد الأوروبي والميركوسور.
يعكس هذا التوجه إيمان المستثمرين الصينيين بأن الاستثمار بالسوق المصري يوفر لهم نقطة انطلاق استراتيجية نحو الأسواق العالمية، مدعومة بتكلفة تشغيلية منخفضة وبنية لوجستية متطورة.
اقرأ ايضاً: هبوط حاد في أسعار النفط وانتعاش الأسواق العربية بعد وقف الحرب بين إسرائيل وإيران
الاستثمار في الطاقة والصناعات الخضراء: مستقبل جديد للتعاون
التوجه المصري نحو الاقتصاد الأخضر أثمر عن مفاوضات متقدمة مع شركة لونجي الصينية، إحدى أكبر شركات تكنولوجيا الطاقة الشمسية عالميًا. ناقش الوزير الخطيب مع ممثلي الشركة سبل تصنيع الألواح الشمسية داخل مصر، ما يفتح الباب أمام نقل تكنولوجيا الطاقة المتجددة إلى السوق المحلي.
كما أبدت الشركة رغبة في الاستفادة من الحوافز الممنوحة للمشروعات الخضراء، بما يشمل الإعفاءات الجمركية والضريبية، والمناطق الصناعية المؤهلة بيئيًا.
هذا التحول يعزز موقع مصر كمركز صناعي مستدام، ويشكل ركيزة جديدة في استراتيجية الاستثمار بالسوق المصري التي تستهدف قطاعات المستقبل.
شراكة تقنية عالية المستوى
ضمن اللقاءات، اجتمع الوزير مع مسؤولي مجموعة تشونغمان للبترول والغاز الطبيعي، وهي شركة تقدم خدمات حفر متكاملة وحلولًا صناعية للقطاع الطاقوي.
ناقش الطرفان فرص التعاون في الاستكشاف، الإنتاج، وتطوير البنية التحتية المرتبطة بالطاقة، خاصة في المناطق الحدودية والامتيازات البحرية.
وتأتي أهمية هذه الشراكة في ظل سعي مصر لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة، من خلال تحديث البنية التحتية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود، وتصدير الفوائض نحو أوروبا وأفريقيا.
تفتح هذه الاتفاقيات آفاقًا واعدة أمام الاستثمار بالسوق المصري في قطاع عالي التقنية يعتمد على التخصص ونقل المعرفة.
الصناعات التحويلية والمواد المتقدمة
في مؤشر واضح على ثقة المستثمرين القائمين في السوق المصري، أعلنت شركة جوشي مصر عن نيتها توسيع نشاطها الصناعي من خلال إنشاء قاعدة إنتاجية جديدة تشمل 4 خطوط بطاقة سنوية تبلغ 500 ألف طن.
تعتبر جوشي واحدة من أكبر المستثمرين في مصر في مجال الألياف الزجاجية، وهي مادة تدخل في صناعات متعددة مثل السيارات والبناء والطاقة المتجددة. هذا التوسع سيسهم في تعزيز سلاسل التوريد المحلية، وتقليل الاعتماد على الواردات.
ويعد هذا النموذج مثالاً ناجحًا لفرص الاستثمار بالسوق المصري القائمة على الشراكة طويلة الأمد والتصنيع عالي التقنية.
المنتجات المكتبية والمدرسية
ضمن الخطط الاستثمارية الضخمة، استعرض الوزير مع شركة ديلي الصينية مشروعاً ضخماً لإنتاج الأدوات المكتبية على مساحة 160 ألف متر مربع وباستثمارات تصل إلى 200 مليون دولار.
سيوفر المشروع قرابة 2000 فرصة عمل مباشرة، مع خطة لإضافة خطوط إنتاج جديدة متخصصة في الطباعة الورقية.
يمثل المشروع أحد الأمثلة البارزة على قدرة الاستثمار بالسوق المصري على استقطاب مشاريع كثيفة العمالة، والموجهة نحو التصدير والإنتاج المحلي في آنٍ واحد.
التحولات الاقتصادية والتشريعية التي تعزز جاذبية السوق المصري
لم تأتِ هذه اللقاءات من فراغ، بل هي نتاج لتطورات تشريعية واقتصادية جعلت الاستثمار بالسوق المصري أكثر جذباً من أي وقت مضى:
- قانون الاستثمار الموحد يقدم حوافز غير مسبوقة تشمل الإعفاءات الضريبية، ورد جزء من رأس المال المدفوع.
- توسيع المناطق الحرة الصناعية والخاصة، ومنها مناطق اقتصادية مخصصة للصين مثل منطقة “تيدا” في العين السخنة.
- الاستقرار النقدي وتوحيد سعر الصرف بعد قرارات تحرير العملة عزز من ثقة المستثمرين.
- دعم البنية التحتية الرقمية والموانئ مثل ميناء السخنة ومحور قناة السويس.
وفق تقرير صادر عن “FDI Intelligence” في مايو 2025، قفزت مصر إلى المركز 2 في الشرق الأوسط من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، متفوقة على تركيا وقطر.
في النهاية
لقاءات الخطيب في شنغهاي لم تكن مجرد زيارات دبلوماسية، بل خطوة محسوبة لتعزيز التكامل بين الاقتصادين المصري والصيني. فهي تؤكد أن الاستثمار بالسوق المصري لم يعد مجرد خيار، بل فرصة حقيقية لأصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن أسواق مستقرة، مرنة، وقادرة على التصدير نحو إفريقيا، أوروبا، وآسيا.
مع استمرار هذه السياسة والانفتاح الاستراتيجي، من المتوقع أن تشهد مصر خلال السنوات القادمة موجة استثمار صينية أكبر، تشمل قطاعات الذكاء الاصطناعي، صناعة السيارات الكهربائية، والمراكز اللوجستية.
اقرأ ايضاً: أسعار الأسماك بسوق العبور 26 يونيو 2025 ترتفع وتنخفض.. مفاجآت في أسعار البلطي والجمبري