مع استمرار الضغوط الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية، عاد الحديث مجددًا حول احتمالية تعديل سعر رغيف العيش المدعم في مصر، خاصة مع اقتراب نهاية عام 2025. ورغم رفع السعر العام الماضي لأول مرة منذ ثلاثة عقود، إلا أن الزيادة المستمرة في تكلفة الإنتاج تضع الحكومة أمام خيار صعب بين حماية الفئات الأكثر احتياجًا وبين الحفاظ على توازن الموازنة العامة.
ارتفاع تكلفة الإنتاج وتأثيره على الدعم الحكومي
شهد عام 2025 قفزة كبيرة في تكلفة إنتاج رغيف الخبز المدعم، حيث ارتفعت من 125 قرشًا في 2024 إلى نحو 170 قرشًا للرغيف حاليًا، بزيادة نسبتها تقارب 36%. وتأتي هذه الزيادة نتيجة ارتفاع أسعار القمح المحلي المدفوع للفلاحين، والتي تجاوزت أسعار القمح المستورد، فضلًا عن صعود أسعار الكهرباء والمحروقات وأجور العمالة. هذه العوامل مجتمعة تهدد بتحميل عبء مالي إضافي على موازنة الدعم الحكومي.
وفقًا للبيان المالي لموازنة 2025-2026، رفعت الحكومة مخصصات دعم الخبز بنسبة 28% لتصل إلى أكثر من 116 مليار جنيه، مما يعكس إدراكها لارتفاع تكلفة الإنتاج، لكنه يفتح في الوقت نفسه باب النقاش حول إمكانية تعديل سعر رغيف العيش مجددًا.
اقرأ ايضاً: سعر الدولار 9 يونيو 2025.. انخفاض جديد يربك الأسواق
أسعار القمح المحلي والمستورد وأثرها على تكلفة الرغيف
حددت وزارة التموين سعر توريد القمح المحلي في موسم 2025 عند 2200 جنيه للأردب، ما يعادل حوالي 14650 جنيهًا للطن، في حين لا يتجاوز سعر القمح المستورد في السوق المحلية 13400 جنيه للطن. هذا الفرق يُحمّل الحكومة عبئًا إضافيًا عند شراء القمح المحلي بهدف دعم الفلاحين.
في ظل استيراد ما بين 5 إلى 6.5 مليون طن سنويًا لتغطية الفجوة، يصبح من الضروري إدارة التوازن بين تشجيع المنتج المحلي والحفاظ على كفاءة الدعم. كما أن استخدام الدقيق البلدي بنسبة استخراج 87.5% في إنتاج الخبز المدعم يزيد من الكلفة مقارنة باستخدام دقيق زيرو بنسبة استخراج 72%، وهو ما أثار مقترحات لإعادة هيكلة الإنتاج.
موقف أصحاب المخابز من تكلفة الإنتاج الحالية
تشير بيانات الشعبة العامة للمخابز إلى أن أصحاب المخابز يواجهون تحديات كبيرة نتيجة الفارق بين التكلفة الفعلية وسعر الدعم الحكومي. يبلغ الفارق الحالي الذي يحصل عليه صاحب المخبز عن كل شيكارة دقيق زنة 100 كجم حوالي 500 جنيه، في حين تشير الحسابات الحديثة إلى أن الرقم العادل يجب أن يتراوح بين 650 إلى 670 جنيهًا.
هذا الفارق يجعل المخابز البلدية في وضع صعب قد يؤثر على انتظام الإنتاج وجودته، مما دفع الشعبة إلى الإعداد لطلب رسمي بزيادة قيمة الدعم المقدم للمخابز دون تعديل في سعر رغيف العيش الموجه للمواطنين.
السيناريوهات المحتملة لتعامل الحكومة مع الأزمة
أمام الحكومة ثلاثة سيناريوهات محتملة: الأول هو الإبقاء على سعر الرغيف الحالي مع رفع قيمة الدعم المقدم للمخابز لتغطية التكلفة الزائدة، وهو السيناريو المرجح اجتماعيًا. الثاني هو رفع سعر رغيف العيش إلى ما بين 25 و30 قرشًا، لتقليل العبء على الموازنة. أما السيناريو الثالث، فهو خفض وزن الرغيف أو جودته كحل غير مباشر لخفض التكاليف.
كل سيناريو يحمل تبعات اقتصادية واجتماعية، مما يتطلب دراسة دقيقة من قبل الحكومة، خاصة مع اقتراب موعد المراجعة نصف السنوية للسياسات المالية.
دور لجنة التسعير واستجابة السوق
رفعت لجنة تسعير المواد البترولية في أبريل الماضي أسعار البنزين والسولار بقيمة 2 جنيه للتر، مما رفع تكلفة النقل والإنتاج عمومًا. هذه الزيادات انعكست بشكل مباشر على تكلفة إنتاج الخبز. ويُنتظر أن تصدر اللجنة قرارات جديدة خلال الربع الأخير من العام، مما قد يؤدي إلى مزيد من الضغوط.
تشير مصادر في السوق إلى أن أسعار الدقيق البلدي بلغت نحو 17350 جنيهًا للطن، مقابل 15300 للدقيق الزيرو، ما يعزز مقترحات بإعادة توزيع استخدام الدقيق حسب الجدوى الاقتصادية، خاصة في ظل التخزين الجيد للقمح المحلي في الصوامع.
التوقعات الاقتصادية والاجتماعية لزيادة السعر المحتملة
تشير التقديرات إلى أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيزيد من حجم فجوة الدعم خلال الشهور القادمة، ما قد يدفع الحكومة لاتخاذ قرار حاسم بشأن سعر رغيف العيش قبل نهاية العام. وفي حال تم ذلك، سيكون التأثير متفاوتًا حسب الفئات الاجتماعية، ما يستلزم دعمًا نقديًا مباشرًا للفئات الأشد احتياجًا.
كما أن أي زيادة محتملة قد تُحدث ردود فعل سياسية وإعلامية، لذا تتجه التوصيات إلى دمج قرارات الزيادة المحتملة في حزمة سياسات حماية اجتماعية مرافقة، مثل مضاعفة قيمة الدعم التمويني أو رفع عدد الأرغفة المقررة شهريًا.
الخاتمة
يبقى التحدي الأساسي أمام الحكومة هو كيفية الحفاظ على استقرار سعر رغيف العيش في ظل تصاعد التكاليف، دون المساس بحقوق الفئات الأضعف. ومع اقتراب نهاية 2025، تزداد التوقعات بصدور قرارات جديدة قد تعيد تشكيل خريطة الدعم الغذائي في مصر. المتغيرات القادمة تستوجب شفافية كاملة واستعدادًا شعبيًا لاستيعاب التغيرات في إطار خطة واضحة توازن بين الاستدامة المالية والعدالة الاجتماعية.
اقرأ ايضاً: رحلات العودة تبدأ 10 يونيو.. حج الجمعيات الأهلية يطوي آخر فصوله من جدة والمدينة